هو أبو زكرياء يحيى بن زياد بن عبد الله بن منصور الدَّيْلميّ الفراء. وكان أبرعَ الكوفيين في علمهم.
وحدَّث محمد بن الجهم قال: حدَّثني ابن المُستنير قُطْرُب قال: دخل الفرَّاء على هارون الرشيد فتكلَّم بكلامٍ لَحَن فيه مرَّاتٍ، قال جعفر بن يحيى: إنه لحن يا أمير المؤمنين. فقال الرشيد للفراء: أتلحَن؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن طباع أهل البدو الإعراب، وطباع أهل الحضَر اللَّحْن؛ فإذا تحفَّظتُ لم ألْحَن، وإذا رجعتُ إلى الطبع لحنتُ. فاستحسن الرشيد قوله.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: العربُ تُخرجُ الإعرابَ على اللَّفظ دون المعاني، ولا يفسِد الإعرابُ المعنى، فإذا كان الإعرابُ يُفسد المعنى فليس من كلام العرب. وإنَّما صحَّ قول الفرَّاء لأنه عمل العربية والنحو على كلام العرب، فقال: كلُّ مسألة وافق إعرابُها معناها، ومعناها إعرابَها فهو الصحيح. وإنما لَحِق سيبويه الغلطُ لأنَّه عمل كلامَ العرب على المعاني، وخلَّى عن الألفاظ، ولم يوجدْ في كلام العرب ولا أشعار الفحول إلا ما المعنى فيه مطبِّق للإعراب، والإعراب مطبِّقٌ للمعنى. وما نقله هشام عن الكِسائيِّ فلا مطعَن فيه، وما قاسه فقد لحِقه الغمْز؛ لأنه سلك بعضَ سبيل سيبويه، فعمل العربية على المعاني وتركَ الألفاظ؛ والفرَّاء حمَل العربية على الألفاظ والمعاني فبَرع واستحقَّ التَّقْدِمة، وذلك كقولك:"مات زيد"؛ فلو عاملت المعنى لوجب أن تقول:"مات زيدًا" لأن الله هو الذي أماته؛ ولكنك عاملت اللفظ، فأردتَ: سكنتْ حركاتُ زيد.