قال: وسمعتُ أبا العباس أحمد بن يحيى غيرَ مرة يقول: لولا الفرَّاء ما كانتْ عربية؛ لأنه حصَّنها وضَبطها، ولولا الفرَّاء لسقطتِ العربية؛ لأنها كانت تُتنازع ويدَّعيها كلُّ مَنْ أراد، ويتكلَّم الناس على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب، وأدركنا العلَماء يردُّون في العلم أقاويلَ العلماء، ثم تكون العِللُ بعد، ثم رأينا الناس بعد ذلك يتكلَّمون في العلم بآرائهم ويقولون: نحنُ نقول. فيأتون بالكلام على طباعهم وبحسب ما يَحْسُن عندهم، وهذا سبب ذهاب العلم وبُطْلانه.
قال: وقال أبو العباس: وكان السبب في إملاء الفراء كتابه في القرآن -وهو كتاب لم يعمل قبله ولا بعده مثله، ولم يتهيأ لأحد من الناس جميعًا أن يزيد عليه شيئًا- أنَّ عمرَ بن بكير -وكان من أصحابه، وكان مع الحسن بن سهل- فكتب إليه: إن الأميرَ الحسنَ لا يزالُ يسألني عن أشياءَ من القرآن لا يحضُرُني جوابٌ عنها؛ فإن رأيتَ أن تَجْمَع لي أصولًا، أو تجعل في ذلك كتابًا أرجع إليه فعلتَ.
فلما قرأ الكتاب قال لأصحابه: اجتمعوا حتى أُمِلَّ عليكم كتابًا في القرآن. وجعل لهم يومًا، فلما حضروا خرج إليهم -وكان في المسجد رجل يؤذِّن فيه،