لأشعار القبائل، كثير الحفظ، لم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه. وكان يَزْعُمُ أن الأصمعي وأبا عبيدة لا يُحسِنان قليلًا ولا كثيرًا. وقيل لأبي زيد الإقليدسيّ: لِمَ لَمْ تأتِ ابنَ الأعرابي، ولم تقرأ كتبه؟ قال: بلغني أنه يستنقص الشيخين. يعني الأصمعي وأبا عبيدة.
ابن الغازي: حدثنا محمد بن الفضل بن سعيد بن سلْم، حدثني أبي قال: كان ابن الأعرابي يُؤدِّبُنا في أيام أبي سعيد بن سلْم، فكان الأصمعيُّ يأتينا مواصلًا، فيُناظِرُه ابنُ الأعرابيِّ فيرتجِلُ ذلك، وكان أعلمَ بالإعراب منه، وكان الأصمعيُّ يفتُر فيه ويُغريه بالشعر، ويُسلِكُه مَسْلكه في جهة المعاني، فإذا وقع هذا البابُ وبَرِئَ من الإعراب الْتَهَمَهُ فلم يَغْتَرِفْ من بحره.
قال أبو حاتم: كان الأصمعي يأتي سعيد بن سلْم وابنُ الأعرابي مُؤدِّبٌ لولده، فيفارقُ المجلسَ، ويسألُه سعيد بن سلم الإملاءَ على ولدِه فيفعل، فإذا زال الأصمعي خرج ابن الأعرابي فيقول: اعرضوا عليَّ ما أفادكم الباهليُّ. قال: ثم يكتبه.
قال محمد بن الفضل: لم يزل ابنُ الأعرابي عندنا مُرْمِدًا في علمه، غير مفارق للناس، حتى قدِم علينا أعرابٌ من اليمامة، ففاتَحهم الغريب ففتقوا له، وكان علمه الذي حصل في نحو من شهر.
حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي قال: حدثنا أحمد بن عمران قال: كنتُ عند أبي أيوب أحمد بن محمد بن شجاع، وقد تخلَّف في منزله، فبعث غلامًا من غلمانه إلى أبي عبد الله بن الأعرابيِّ صاحب الغريب، يسأله المجيء إليه، فعادَ إليه الغلامُ فقال: قد سألتُه ذلك فقال لي: عندي قومٌ من الأَعراب، فإذا قضيتُ أَرَبِي معهم أتيتُ. قال الغلامُ: وما رأيتُ عندَه أحدًا، إلا أنَّ بين يديه كُتُبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرةً، وفي هذا مرةً، ثمَّ ما شَعَرْنا حتَّى جاء، فقال له أبو أيوب: يا أبا