من أهل السُّنَّةِ يقول: هذه الأحاديثُ الَّتي تُروى في الرُّؤية، والكُرسيِّ، وموضعِ القدمين، وضحك ربِّنا من قنوطِ عباده، وإنَّ جهنمَ لتمتلئ ... وأشباهُ هذه الأحاديث. فقالوا: إنَّ فلانًا يقول: يقع في قلوبنا أنَّ هذه الأحاديث حقٌّ. قال أبو عبيد: ضعَّفتم عندي أمرَه، هذه حقٌّ لا شكَّ فيها، رواها الثقاتُ بعضهم عن بعض، إلَّا أنَّا إذا سُئِلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نُفسِّرْها، ولم يدرك أحدٌ تفسيرَها.
قال أبو سعيد بن الأعرابي: سمعتُ عبَّاسًا الدُّوريَّ يقول: سمعتُ أبا عبيدٍ يقول: عاشرتُ النَّاس، وكلمتُ أهلَ الكلام، فما رأيتُ قومًا أضعفَ ولا أوسخَ ولا أقذرَ ولا أضعفَ حُجَّةً ولا أحمقَ مِن الرَّافِضةِ!! ولقد وُلِّيتُ قضاءَ الثّغْر، فأخرجتُ منهم ثلاثةً؛ جَهْمِيَّيْنِ وَرَافِضِيًّا، أو رَافِضِيَّيْنِ وَجَهْمِيًّا، وقلتُ: مثلُكم لا يُجاوِرُ الثُّغورَ. حدَّث بذلك أحمد بن خالد، عن مروان الفخَّار، عن عباسٍ الدُّوريِّ وعليِّ بنِ مُغيرةَ الأثرمِ.
قال طاهر بن عبد العزيز: سمعتُ عليَّ بنَ عبدِ العزيزِ يقول: تُوُفِّيَ أبو عبيدٍ في المحرم سنة أربع وعشرين ومئتين بمكة، في دور جعفر بن محمد، وعاش ثلاثًا وسبعين سنةً.
وروى أحمد بن نصر الفَروِيُّ، عن محمد بن أسامة، عن عليٍّ قال: قدم أبو عبيد مكة حاجًّا، فلما انقضى حجُّه وأراد الانصراف؛ أَكْرَى إلى العراق ليخرجَ صبيحةَ الغدِ، قال أبو عبيد: فرأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في رؤيايَ وهو جالسٌ وعلى رأسه قومٌ يحجبونه، والناسُ يدخلون عليه، ويسلِّمون عليه، ويصافحونه، قال: فكلما دنوتُ أدخل مع الناس مُنِعتُ، فقلتُ لهم: لِمَ لا تُخلُّوا بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا لي: لا والله؛ لا تدخل عليه، ولا تُسلِّم عليه وأنت غدًا خارجٌ إلى العراقِ. قال: فقلتُ لهم: إنِّي لا أخرجُ إِذًا. فأخذوا عهدي، ثمَّ خلُّوا بيني وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدخلتُ وسلمتُ وصافحتُ.
قال عليٌّ: فلما أصبح أبو عبيد، فَاسَخَ كَريَه، وسكن مكة حتى توفي بها، ودفن فيها.