قد بلغتَ الغيثَ فتخيَّم. أي: ألقِ خيمتَك. فقلتُ: الحمد لله، ذلك والله المأمول المرجو من الأمير. قال: ما لك من العيال؟ قلتُ: ثلاثون. قال: وكان أبو هريرة قهرمانه أكرم حضير ومشير، فقال: هم أكثر من ذلك، إلى السبعين بين حُزانة وقرابة وأصهارٍ، وقد اصطموا إليه؛ لما يأملون من رأي الأمير ويرجونه، وما هو بذي ماشية ولا غاشية، ولا بتاجر. قال: قد أمرتُ لك بخمسمئة دينار، فادفعها إليه يا أبا هريرة الساعة، ومن القمح والشعير والتبن والطلاء، والزيت والخل، ما قال: إنه يقوم به إلى رأس الحول.
قال: فوزن لي المال، وقال لأصحاب الخراج: احسبوا كم له في هذه السنة مما أمر به. فجعلوا يعدون ويعقدون، وكان السعر قد نزا، فقال لي أبو هريرة: هل لك إلى ما هو أقرب من هذا، تأخذه ثمنًا؟ قلتُ: ما أكره ذلك. فأعطاني خمسمئة دينار أخرى، ومضيتُ.
- الحُزانة: أهله الذين يحزن لهم.
وما أنسى محضر طلة يومئذ، وقولها: عالم البلد أهل لكل ما أُسدِي إليه! فانصرفتُ بأحسن حال.