لقِيَ رجلًا من إخوانه قال له: هل لك في مذاكرة باب من النحو؟ فلهج بهذه الكلمة، وأكثر منها، حتى نُبِز بها.
وكان له القدر النبيل، والحظ الموفور في العربية وعلم الأدب، مع التصاون والنزاهة وحسن السمت، وكان قريب المكان من الوزير القائد أحمد بن محمد بن أبي عبدة، كثير اللزوم له والتكرر عليه؛ إذ كان ممن نشأ معه، وجمعه التأدب به.
وحكى بعض الأدباء عن محمد بن عبد الرحمن بن زياد قال: استأذن أبو الحكم على أحمد بن أبي عبدة في بعض الأيام وأنا عنده، وقد غصَّ المجلس بعِلية الرجال وأعلامهم من مواصل وطالب حاجة، فأذن له وأوسع له في مقعده، ومال إليه بوجهه، وأقبل على محادثته. وكان أحمد قد دعا بسيفه للركوب إلى القصر، فوُضِع بين يديه، فلما انقضى ما بينهما من الحديث مدَّ أحمدُ بن محمد بن أبي عبدة يدَه إلى السيف فأقلَّه، وأقبل على أبي الحكم فقال له علانيةً: يا سيدي، إن سمَّيتَ هذا السَّيفَ من أعلاه إلى أسفله بما سمته العرب؛ فهو لك. فمد أبو الحكم يده إلى السيف، فأخذه والحياء بادٍ على وجهه، ثم وضع يده اليمنى على قائمه، فذكر ما فيه ما سمَّته العربُ به، وانتقل إلى التسمية إلى جميع ما فيه، حتى وصل إلى ذلك بأسفله، ثم لفَّه بحمائله، ووضعه بين يدي أحمد بن محمد بن أبي عبدة، فعجب جميعُ مَن شَهِد المجلسَ مِن سعةِ علمِه، وصحة حفظه، وحضور ذهنه، وأمر ابنُ أبي عبدة الخادمَ بين يديه أن يخرج بالسيف إلى غلام أبي الحكم ويدفعَه إليه، فاستعفاه أبو الحكم، فأقسم أحمد بن محمد أن لا بد من ذلك، وأمر بإحضار سيف آخر فركب به.
وحدثني بعض الأدباء قال: سأل المنذرُ بن عبد الرحمن محمدَ بن مُبشّر الوزير في بعض مجالسه: كيف تأمُر المرأةَ، بالنون الثقيلة، مِن "غَزَا يَغْزُو"؟ فأجال ابن مبشر فيها فِكرَهُ، فلم يتجه له جوابها، فقال له: يا أبا الحكم، ما رأيتُ أشنعَ من مسألتك! اللهُ يأمرُها أن تقرَّ في بيتها، وأنت تُريد أن تأمرها بالغزو!
وكان ممن اتصل بأمير المؤمنين -رضي الله عنه- في أيام جدِّه رحمه الله،