إِنْ هَبَّتِ الريح تلاهتْ به ... وماستِ الريحُ به مَيْسَا
ودخل يومًا على عبد الملك بن جهْوَر، فأقعده إلى جنبه، ومال إليه يحدثه، ثم دخل الخروبي فأقعده فوقه، فخرج أبو وهب مُغضبًا، وكتب إليه:
بلوتُك أسنى العالمين وأفضلا ... وأهذبَ في التحصيلِ رأيًا وأجملا
فقل لي: ما الأمر الذي صار مُخمِلي ... لديكَ، فأضحى مُسقِطًا لي مُخمِلا
تُقدِّمُ مَن أضحى تقدَّم لومُه ... لقد ظلَّ هذا مِن فعالِكَ مُشكِلَا
وما كنتُ أرضى -يعلمُ اللهُ- أنَّني ... مُساوِيه في الفردوسِ دارًا ومَنزِلَا
فإن كنتَ قد قصَّرتَ بي عن مَحِلَّتِي ... صبرتُ، وما زال التَّصبُّرُ أجملَا
ورحتُ على الدهر المُلِمِّ ألومُه ... فقد هِيضَ أعلاه وغودر أسفلا
وكنت حَذيرًا خائفًا لك أن ترى ... لمثلي نصيبًا من ودادك أجزلا
عذرتُك إلا أنَّ فَرْطَ محبتي ... وإخلاصَ وُدِّي سَهَّلا لي التَّذلُّلا
فأجابه عبد الملك:
ظلمتُك فيما كان مني مجمَلا ... على غير تحصيلٍ وعاتبتَ مُجمِلا
تقربتَ من قلبي وإن كنتَ آخرًا ... وأُخِّر عن قلبي وإن كان أَوَّلَا
ومتّ إلى غيري بعصرٍ تتابعت ... أياديه فيه فاستطال تذلُّلَا
وإن كان رَبْعي كله لك مَقْعَدًا ... تبوَّأُ منه حيثُ أحببتَ مَنزِلَا
وما أجهلُ القدرَ الذي أنت أهلُه ... ولا سرنا أضحى عليك مُظلِّلَا
وما لي لا أرعى حقوقَك كلها ... وأشكر عذبًا من هواك مُعسَّلَا