العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل بن أحمد، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبسة، ونظرت في كتابه، فعلمه أبلغ من لسانه.
وقال ابن قتيبة: حدثني أبو حاتم، عن أبي زيد الأنصاري قال: كان سيبويه غلامًا يأتي مجلسي، له ذؤابتان، فإذا سَمِعتَه يقول: حدَّثني مَن أثق بعربيَّته. فإنما يعنيني.
وقال الأخفش سعيد بن مسعدة: كان سيبويه إذا وضع شيئًا من كتابه، عرضه عليَّ، وهو يرى أني أعلم منه، وكان أعلم مني، وأنا اليوم أعلم منه.
وذكر محمد بن سلام قال: كان سيبويه النحوي جالسًا في حلقته بالبصرة، فتذاكرنا شيئًا من حديث قتادة، فذكر حديثًا غريبًا وقال: لم يروِ هذا إلا سعيد بن أبي العَروبة. فقال له بعض ولد جعفر بن سليمان: ما هاتان الزائدتان يا أبا بشر؟ فقال: هكذا يقال؛ لأن العروبة هي الجمعة، ومن قال:"عروبة" فقد أخطأ. قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس، فقال: أصاب، لله دره!
قال ابن عائشة: كنا نجلس مع سِيبويهِ النحويِّ في المسجد -وكان شابًّا جميلًا نظيفًا، قد تعلَّق من كل علمٍ بسبَب، وضرب فيه بسهم، مع حداثة سنه، وبراعته في النحو-، فبينا نحن عنده ذات يوم إذ هبَّت ريحٌ أطارت الوَرَق، فقال لبعض أهل الحلْقة: انظر أيُّ ريح هِي؟ وكان على منارة المسجد تمثال فرس من صُفْر - فنظر ثم عاد فقال: ما يثبُتُ الفرس على شيء. فقال سيبويه: العرب تقول في مثل هذا: تَذَاءَبت الريحُ، أي فعلت فعل الذئب لِيخْتِل، فيتوهمَ الناظر أنه عدَّة ذئاب.
وقال ابن النطاح: كنت عند الخليل بن أحمد، فأقبل سيبويه، فقال الخليل: مرحبًا بزائر لا يُمَلُّ. قال أبو عمرو المخزومي -وكان كثير المجالسة للخليل-: ما سمعت الخليل يقولها إلا لسيبويه.