للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كشف البؤس عنهم، ثم عودتهم إلى مكرهم السيئ، ثم الانتقام منهم بعد ذلك، وقد كان ذلك كله كما بينه الحديث الصحيح المذكور، فإنهم لما جاءوا إلى رسول الله يستسقون وتضرعوا إلى الله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ [الدخان: ١٢]، سقاهم الله فأخصبوا، ولكنهم سرعان ما عادوا إلى عتوهم واستكبارهم، فبطش الله بهم البطشة الكبرى يوم بدر، حيث قُتل من صناديدهم سبعون، وأُسر سبعون.

وقد تكرر في القرآن المكي إنباؤهم بهذا الانتقام على صور شتى (١):

فتارة يأتي مجملًا، كما في قوله: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٣١]، وقوله: ﴿فتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات: ١٧٤] وما بعدها.

وتارة يعين نوع العذاب بأنه الهزيمة الحربية كما في قوله: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥] (٢). وهذا كما ترى من عجيب الأنباء في مكة، حيث لا مجال لأصل فكرة الحرب والتقاء الجموع، فضلًا عن توقع فرارها وهزيمتها، حتى إن عمر لما نزلت هذه الآية جعل يقول: أيُّ جمع هذا؟ قال: فلما


(١) سقطت هذه الجملة بتمامها من طبعة دار القلم. (عمرو)
(٢) ونحوها ما ورد في سورة المزمل وهي من أوائل ما نزل في مكة ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: ٢٠].

<<  <   >  >>