للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولها. رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وعَجُزُه في الصحيحين (١).

وتارة ينصُّ على حوادث جزئية محددة منه - وهذا أعجب وأغرب - كما في قوله في شأن الرجل الزنيم (٢) الذي كان يقول في القرآن: إنه أساطير الأولين ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [ن: ١٦]، فأصيب بالسيف في أنفه يوم بدر. وكان ذلك علامة له يعيَّر بها ما عاش. رواه الطبري وغيره عن ابن عباس.

ونظير هذه الأنباء في كفار قريش ما ورد في كفار اليهود. انظر كيف يقول فيهم: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١] وما بعدها، وقد فعل، ثم يقول: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٢]. ويقول: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧].

فيا عجبًا لهذه الآيات! هل كانت مؤلفة من حروف وكلمات؟ أم كانت أغلالًا وضعت في أعناقهم إلى الأبد، وأصفادًا شدت بها أيديهم فلا فكاك؟ ألا تراهم منذ صدرت عليهم هذه الأحكام أشتاتًا في كل واد، أذلاء في كل ناد، لم تقم لهم في عصر من العصور دولة، ولم تجمعهم قط بلدة، وهم اليوم على الرغم من تضخم ثروتهم المالية إلى ما يقرب من نصف الثروة العالمية لا يزالون مشردين ممزقين عاجزين عن أن يقيموا لأنفسهم دويلة كأصغر الدويلات، بل تراهم في بلاد الغرب المسيحية يسامون أنواع الخسف والنكال، ثم تكون عاقبتهم الجلاء عنها مطرودين، وبلاد الإسلام التي هي أرحب أرض الله صدرًا، إنما تقبلهم رعية محكومين لا سادة حاكمين.


(١) روى البخاري: (٤٨٧٥)، عن ابن عباس : أن رسول الله قال: وهو في قبة يوم بدر: «اللهم إني أنشدُك عهدَك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تُعبد بعد اليوم» فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك، وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]».
وانظر: تفسير ابن أبي حاتم: (١٨٧١٣).
(٢) المشهور أنه هو الوليد بن المغيرة المخزومي الذي نزل فيه ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] الآيات من سورة المدثر.

<<  <   >  >>