للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالسحر والجنون ليصدوا عنه من لا يعرفه من القبائل القادمة في المواسم، أم يمكرون به ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه [سورة الأنفال: ٣٠]، أم يخاطرون بمهجهم وأموالهم وأهليهم في محاربته، أفكان هذا كله تشاغلًا عن القرآن وقلة عناية بشأنه؟! ثم لماذا كل هذا وهو قد دلهم على أن الطريق الوحيد لإسكاته هو أن يجيئوه بكلام مثل الذي جاءهم به؟ ألم يكن ذلك أقرب إليهم وأبقى عليهم لو كان أمره في يدهم؟ ولكنهم طرقوا الأبواب كلها إلا هذا الباب، وكان القتل والأسر والفقر والذل كل أولئك أهون عليهم من ركوب هذا الطريق الوعر الذي دلهم عليه، فأي شيء يكون العجز إن لم يكن هذا هو العجز؟!

لا ريب أن هذه الحملات كلَّها لم تكن موجهة إلى شخص النبي وأصحابه، فقد كانوا من قبل تعطِفهم عليهم أرحامهم، وتحببهم إليهم مكارم أخلاقهم، كما أنها لم تكن موجهة إلى القرآن في الصدور ولا في داخل البيوت؛ فقد قبلوا منهم أن يعبد كل امرئ ربه في بيته كيف يشاء، إنما كانت مصوَّبة إلى هدف واحد، ومقاومة لخطر واحد، هو إعلان (١) هذا القرآن ونشره بين العرب.

ولا يهجسنَّ في روعك أنَّهم ما نقموا من الإعلان بالقرآن إلا أنه دعوة جديدة إلى دين جديد فحسب. كلا، فقد كان في العرب حنفاء من فحول الخطباء


(١) وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما كان يعرض نفسه على الناس في الموقف: «ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي»، رواه أبو داود والترمذي، فانظر قوله: «منعوني أن أبلغ»، ولم يقل: (منعوني أن أتلو) *.
* عن جابر، قال: كان النبي قد يعرض نفسه بالموقف، فقال: «ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي».
رواه أحمد: (١٥١٩٢)، والترمذي: (٢٩٢٥).

<<  <   >  >>