للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(الإعجاز العلمي) (١) وحديثنا كما ترى لا يزال في شأن (الإعجاز اللغوي) وإنما اللغة ألفاظ.

بيد أنَّ هذه الألفاظ ينظر فيها تارة من حيث هي أبنية صوتية مادتها الحروف وصورتها الحركات والسكنات من غير نظر إلى دلالتها. وهذه الناحية قد مضى لنا القول فيها آنفًا، وتارة من حيث هي أداة لتصوير المعاني ونقلها من نفس المتكلم إلى نفس المخاطب بها، وهذه هي الناحية التي سنعالجها الآن، ولا شك أنها هي أعظم الناحيتين أثرًا في الإعجاز اللغوي الذي نحن بصدده؛ إذ اللغات تتفاضل من حيث هي بيان؛ أكثر من تفاضلها من حيث هي أجراس وأنغام.

أما النظر في المعاني القرآنية من جهة ما فيها من العلوم العجيبة فتلك خطوة أخرى ونظرة خارجة عن البحث اللغوي جملة؛ إذ الفضيلة البيانية إنما تعتمد دقة التصوير وإجادةِ التعبير عن المعنى كما هو، سواء عندها أن يكون ذلك المعنى من جنس ما تتناوله عقول الناس أو لا يكون، بل سواء عندها أن يكون ذلك المعنى حقيقة أو خيالًا؛ وأن يكون هدى أو ضلالًا (٢)؛ عكس الفضيلة


(١) تكلم الشيخ عن الإعجاز العلمي في كتابه: «مدخل إلى القرآن الكريم»، وخلاصة كلامه، أنَّ الشيخ دراز لا ينكر وجود حقائق علمية في القرآن، ولكنه يتحفظ عن المبالغة فيها والتعويل عليها بشدة إلا لغرض أنها تُذكِّر بالخالق، فنجده يقول: «القرآن في دعوته إلى الإيمان والفضيلة، لا يسوق الدروس من التعاليم الدينية والأحداث الجارية وحدها، وإنما يستخدم في هذا الشأن الحقائق الكونية الدائمة، ويدعو عقولنا إلى تأمل قوانينها الثابتة - لا بغرض دراستها وفهمها في ذاتها فحسب - وإنما لأنَّها تذكر بالخالق الحكيم القدير»، ثم يقول: «دفع الحماس بعض المفسرين المحدثين إلى المبالغة في استخدام هذه الطريقة التوفيقية لصالح القرآن، بحيث أصبحت خطرًا على الإيمان ذاته؛ لأنها إما أن تقلل من الاعتماد على معنى النص باستنطاقه ما لا تحتمله ألفاظه وجمله، وإما أن تُعوِّل أكثر مما يجب على آراء العلماء وحتى على افتراضاتهم المتناقضة أو التي يصعب التحقق من صحتها، وبعد أن نستبعد هذه المبالغات عن البحث، نرى أن من مقتضيات الإيمان التي لا غنى عنها أن نضاهي الحقائق الفورية التي نجدها في القرآن مع نتائج العلماء المنهجية البطيئة»، وانظر: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية، لسعود العريفي، ط. مركز تكوين، والإعجاز العلمي إلى أين؟ د. مساعد الطيار، ط. دار ابن الجوزي. (عمرو)
(٢) ولذلك كانت حكايات القرآنِ لأقوالِ المبطلين لا تقصر في بلاغتها عن سائر كلامه؛ لأنَّها تصف ما في أنفسهم على أتمِّ وجه.

<<  <   >  >>