للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو تأمَّلنا جميع أعمال الرجل العلمية لوجدناها حول القرآن، وفي خدمته، ولو استمعت إلى أحاديثه الإذاعية عن القرآن لوجدتَّ قلبًا نابضًا يتحدث عن القرآن حديث العالم به، المحب له.

ثانيًا: لقد كان للقرآن أثره البالغ في أسلوب الشيخ وكتابته، انظر مثلًا إلى قوله من النبأ: «أرأيت هذه المراحل الأربع التي سلكها القرآن في دعوة بني إسرائيل كيف رتبها مرحلة مرحلة، وكيف سار في كل مرحلة منها خطوة خطوة.

فارجع البصر كرة أخرى إلى هذه المرحلة الأخيرة منها، لتنظر كيف استخدم موقعها هذا لتحقيق غرضين مختلفين، وجعلها حلقة اتصال بين مقصدين متنائيين.

فالتقى المقصدان فيها على أمر قد قدر.

ألم تر كيف بدأها بأن قص على المؤمنين مقالة أعدائهم في بعض حقائق الإسلام، وعمد إلى هذه الحقائق التي تماروا فيها، فجعل يمسح غبار الشبهة عن وجهها حتى جلَّاها بيضاء للناظرين» (١).

وهكذا يمضي الشيخ في أسلوب من امتزج القرآن بقلبه وعقله، حتى إنه قد اصطبغ بمفرداته، وأخذ من أنواره ما ظهر في كتابه المسطور.

بل إن ذلك يظهر في كتاباته الأخرى، يقول في رسالة لصديق له: «عزيزي أسعد الله وقتك، وأبعد عني سنتك، والله لقد أرقتني ذكراك في مضجعي، وأذهلتني في دراستي، وابتزَّت منى بضعة من زمن ما كان أحوجني إلى صرفها فيما ينفعني ولا يضرني بإثارة كوامن الصدور وإراقة دماء القلوب، لولا أنه القدر استحكم، والمقدور تحتَّم، والله أحكم الحاكمين.

قُضِيَ الأمر، ونفذ القضاء بهذا التنائي، وحيل بين الجسمين أن يتلاقيا، وبين القلبين أن ينالا حظهما من لذة القرب، ولكن ليت شعري هل من الحكمة


(١) وهذه سمة عامَّة في لغة الشيخ وتفسيره، انظر: التفسير الإذاعي: (٦٠٤).

<<  <   >  >>