للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخاصموننا؟ أفي الله وهو ربنا وربكم، أم في إبراهيم وبنيه، وهم ما كانوا هودًا أو نصارى ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٤١].

وكان هذا الترديد وحده كافيًا لإفحامهم وإغلاق الباب في وجوههم من هذه الناحية؛ إذ تبين أن أصول هذه الملة أمنع من أن نقبل الجدال في شيء منها.

فانتقل عنها وشيكًا إلى إبطال محاولتهم الأخرى في مسألة (الكعبة المعظمة) التي عليها يدور العمل بشعيرتين، هما أعظم شعائر الإسلام وأظهرها (الصلاة والحج)، والتي قد تقرر ما لها من الأصل الأصيل في الدين باتخاذ إبراهيم وإسماعيل إياها مثابة ومصلى.

ولكن هذا لم يكن كافيًا لإسكات المجادلين الذين اتخذوا من تحول المسلمين إليها وتركهم القبلة التي كانوا عليها مطعنًا على النبوة فتنوا به بعض ضعفاء المؤمنين، فمست الحاجة إلى مزيد بسط في شأنها تتقرر به الحجة وتدحض به الشبهة، ولذلك تراه يوجه إليها أكبر الشطرين من عنايته:

فيأمر النبي بادئ ذي بدء أن يجيب المتسائلين عن حكمة هذا التحويل جواب عزة وإباء، يرد الأمر فيه إلى من لا يسأل عما يفعل، قائلًا لهم: إن الجهات كلها سواء، يوجهنا الله منها إلى ما يشاء، وهو الذي يهدي إلى الصراط المستقيم.

ثم أخذ يأمر النبي تارة، والمؤمنين تارة، ويأمرهما معًا تارة أخرى، في أسلوب مؤكد مفصل أن يثبتوا على هذه القبلة حيث هم، وفي كل مكان يقيمون فيه حضرًا، وفي كل مكان يخرجون منه سفرًا.

وطفق ينثر في تضاعيف هذه الأوامر المؤكدة ما شاء من تعريف بأسرار التشريع القديم والجديد، فيقول: إن تشريع تلك القبلة الوقتية ما كان إلا اختبارًا لإيمان المهاجرين؛ ليتبين من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وأما تشريع هذه القبلة الباقية فإنه ينطوي على الحكم البالغة والمقاصد الجليلة، فهي

<<  <   >  >>