وأطال وأسهب .. وبدأ الناس يتلفتون .. ماذا يقول الداعية؟ ! ؟ ! .. وبدأت إدارة المسجد تفكر بمخرج من هذه المشكلة، فلا الموضوع يناسبهم، ولا المسألة تفيدهم، إن لم تك تضيعهم أو تنفرهم، وربما أحدث فتنة كبيرة بينهم.
ثم تدخَّل أحد الدعاة، فأنقذ الموقف .. وتكلم عن صفات الله بما يتناسب وَوَضْع المدعوين مما هم فيه من الذنوب، وأَثَرِ الإيمان بهذه الصفات في الرجوع إلى الله. (١)
وهكذا كان خطاب الداعية الثاني، بما يناسب مداركهم العقلية، ومستوياتهم العلمية، وحالاتهم الواقعية، فهم لا يدركون مصطلح الحديث، ولا يناسبهم الكلام في الخلافات الفرعية الدقيقة .. وإنما الذي يناسبهم ويحتاجون إليه هو التوبة، والرجوع إلى الله تعالى، وهم بحاجة إلى معرفة أركان دينهم، قبل حاجتهم إلى شيء آخر.
فكم نحن بحاجة إلى إعادة النظر في خطابنا الدعوي.
(١) ولولا فضل الله أن قدر حضور أحد الدعاة، الذي أنقذ الله به الموقف لكانت فتنة عظيمة .. ونظراً لأهمية هذه المواقف، أذكر كيف استطاع الداعية الثاني، أن يخرج الجميع من هذا المأزق بالتدرج من فقرة إلى فقرة .. دون أن يشعرهم، ودون أن يخدش شعور المحاضر .. فقام متدخلاً لصالح المحاضر، مدعياً المداخلة والمشاركة في ذلك، فمما قال: لا شك أن ما يدعو إليه المحاضر هو الحق، من إثبات صفات الله تعالى، وكيف لا نثبت أن الله كريم رحيم بعباده .. ؟ ! وكيف لا نثبت أن الله غفور تواب على عباده ... ؟ ! ونحن مذنبون نحتاج إلى أثر هذه الصفات من الله .. ثم فصل في أثر هذه الصفات في التوبة، وغفران الذنوب، والإقبال على الله، وتكلم عن صفة السمع والبصر لله .. وأنه يرانا .. ويسمعنا .. إلخ {وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً} [الإسراء: ١٧] وانتهى الموقف على خير مايرام، ففرحت إدارة المسجد، واستفاد المدعوون، ونسوا ما كان من المحاضر الأول، وخرج المحاضر الأول بماء الوجه، إذ لم يخدش شعوره بشيء، فالله نسأل الحكمة والقبول.