للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذا العقاب الرادع من الله لمخالفته منهج الدعوة إلى الله، وتنصيب الداعية نفسه مكان الله يصدر الأحكام؛ فهذا لا يدخل الجنة .. وهذا لا يغفر له .. وهذا .. ! ! فهل بعد عقوبة إحباط العمل من عقوبة؟ ! ؟ .

إن غياب هذه القاعدة الشرعية عن كثير من الدعاة، جعلهم يتجاوزون حدود الدعوة إلى محاسبة العباد الحكم عليهم، تكفيراً وتفسيقاً .. تصنيفاً وتبديعاً .. بل وتقتيلاً، مما له عواقب سيئة في الدنيا والآخرة (١).

وترى جُلَّ همه تتبع العثرات .. وتصيّد الهفوات .. ثم الفضح والتشهير ... ثم الحكم والتنفيذ ...

[المطلب الثاني: عمل الأنبياء بهذه القاعدة]

تتجلى هذه القاعدة في منهج الأنبياء الذين لم تتجاوز طريقتهم الدعوية ما ذكرنا.

فهذا نوح عليه الصلاة والسلام مكث تلك المدة الطويلة، لا يتجاوز التبشير والإنذار، وتعليم من آمن واهتدى.


(١) يكمن سر تحول الدعاة من الدعوة إلى الحكم: سهولة الحكم، ومشقة الدعوة، فإن في الدعوة مشقة وبلاء، وصبرًا وتضحية، لا يقوى عليها كثير من المتصدرين لها، والنفس فُطرت على حب السهل، والامتناع عن الصعب، وغالبهم يفقد عوامل الاستمرار على الدعوة من الصبر والحلم والعفو، فيلجأون إلى الحكم على الناس لسهولته ويسره عندهم، فالحكم لا يكلف سوى أن يقول: هذا كافر .. حلال الدم .. مبتدع ضال .. فاسق منحرف .. ويتوهم - بهذا الحكم- أنه قد أدى واجبه، وانتفت عنه مسئولية دعوته بالحكم عليه.
يعينهم على هذا: قلةُ الورع، والعجلةُ في الحكم، وحبُ الانتقام، مما يزيد الأمر سوءاً، ويفاقم الانحراف.

<<  <   >  >>