المبحث الحادي عشر من الأسلوب الحسن، استقبال الداعية بوجهه المدعوين، والحركة المعتدلة المعبّرة، وتفاعله مع خطابه.
خلق الله عز وجل العين لتبصر، والأذن لتسمع، والعقل ليفكر، والقلب ليقرر، وكلما أُشركت هذه الحواس جميعاً في الخطاب، وتفاعلت مع الحدث، كان تأثرها أبلغ، وقرارها أصوب.
لذلك؛ على الداعية أن لا يكون جامداً في خطابه، ثابتاً في صوته وفي حركة يديه، في كل مقام، سواء كان المقام مهماً خطيراً، أو كان غير مهم.
والداعية الحكيم هو: الذي يحرك بخطابه حواس المدعوين كلها.
فيكون صوته معتدلاً ومسموعاً، لا هو بالضعيف الذي لا يُسمع، ولا بالقوي الذي يزعج، فيخفضه ويرفعه حين يلزم ذلك حسب متطلبات المعنى، وسياق الخطاب، وفي كل الأحوال ينبغي أن لا يتجاوز صوته الحد المعقول.
فعن جابر رضي الله عنه قال:((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته .. واشتد غضبه .. )) الحديث. وسيأتي بعد قليل بتمامه.
ويكون مُقبلاً بوجهه على الناس، فلا يطرق رأسه في الأرض خجلاً بغير لزوم، أو يُثبّت بصره في اتجاه واحد، بل يوزع بصره على الحضور جميعاً، حتى يستشعر كل مدعو أنه يراه، ويشاركه.
فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء (أي: مطر) كانت من الليل،