للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس جواز المداراة في الدعوة إلى الله، وحرمة المداهنة]

وفيه ثلاثة مطالب:

[المطلب الأول: المقصود من المداراة والمداهنة.]

مما لا شك فيه: أن الداعية سيتعرض إلى حالات محرجة، ومواقف صعبة، يحتاج فيها إلى حسن تصرف، وموازنة بين المصالح والمفاسد، ونظر ثاقب في عواقب الأمور.

لأجل هذا شرع الله عز وجل المداراة، وحرم في الوقت نفسه المداهنة.

والمداراة: هي التلطف بالمخطئ، وعدم مصارحته أو مفاجأته بحكم عمله، أو قوله، أو بالحكم عليه رجاء هدايته.

أو: هي جواز تأخير البيان من أجل التغيير، انتظار فرصة أفضل، إذا لم يترتب على التأخير مفسدةٌ أعظم. (١)

أو: هي تأخير بيان الحق دفعاً لمفسدة أكبر، أو طلباً لمصلحة شرعية أعظم، دون أن يتضمن هذا السكوت تأييداً لباطل، أو إبطالاً لحق، مع إنكار القلب في هذا كله، والعزم على الإنكار حين الاستطاعة، حسب المستطاع.

وهذا مما أباحه الإسلام، ومن الأدلة على ذلك ماروته عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة)) فلما جلس تطلّق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وانبسط


(١) راجع: لسان العرب، والنهاية لابن الأثير مادة: (درأ)، وفتح الباري (٩/ ٢٥٢).

<<  <   >  >>