للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا عليه الصلاة والسلام لم يتجاوز مع فرعون، وقومه هذه الحدود، رغم ما توفر له من العدد والعدة، وخرج مع قومه سراً سرياً .. دون أن يُقيم الأحكام فيهم .. فهل كان جاهلاً بهذا؟ أم كان جباناً .. سبحانك؛ اللهم اهدنا إلى منهج الأنبياء.

وأما رسولنا الكريم عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقد ضرب - كالعادة - المثل الذي يُحتذى، سواء كان مع المسلمين أو مع غيرهم .. فنجده بمكة لم يُنفِّذ حكماً واحداً على مسلم، أو غيره، لأن مقام مكة كان مقام دعوة، وليس مقام ولاية أو قضاء.

ولما دخل مكة لعمرة القضاء لم يغير فيها شيئاً، ولم يحرك فيها ساكناً، ولم يُزِحْ صنماً من مكانه.

وحتى في المدينة، وبعد أن تولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلافة والحكم والقضاء، نجد أثر هذه القاعدة في معاملته الدعوية مع أصحابه.

وحديث الذي بال في المسجد مشهور، إذ قام الصحابة ليحكموا عليه، وينفذوا الحكم .. ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نهاهم عن ذلك، أقبل عليه يعلمه ولا يوبخه، ويرشده ولا يحكم عليه، رغم ما فعل من وضع نجاسة في المسجد، وكشف عورة. (١)

ولما تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة، أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه، يعلمه ويقول له: ((إن هذه الصلاة ... )) (٢).

وليس المقصود؛ عدم الحكم على من لم يسلم بالكفر، ولا على


(١) لتخريج الحديث راجع صفحة (١٣٥).
(٢) لتخريج الحديث راجع صفحة (١٤٦).

<<  <   >  >>