ورغم صراحة هذه النصوص في تحديد مهمة الداعية، نجد كثيراً من الدعاة يظنون أنهم مسئولون عن البشر، إن لم يهتدوا، وعن محاسبتهم إن لم يستجيبوا، فراحوا يحكمون عليهم، وينفذون الحكم، رغم صراحة قوله تعالى:{إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}[البقرة: ١١٩]
إن الباحث في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لن يجد نصاً واحداً يأمر كل مسلم بالحكم على العباد، بل النصوص تترى تأمره بالدعوة، وتحذره من الحكم، وأنه لله وحده.
ومن أقوى ما يسجل في هذا الباب موعظة لكل داعية، وعبرة لكل من يتجاوز التعليم والبلاغ إلى الحكم على العباد.
ما حكاه لنا - صلى الله عليه وسلم -: ((كان رجلان في بني اسرائيل متواخيين فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوماً على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيباً، فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً أو كنت على ما في يدي قادراً، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار)) قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته (١).