للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"كلوا" وحبس الخادم والقصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة، وحبس المكسورة. (١)

أي: أخذ من بيت التي كسرت القصعة قصعة سليمة، وأرسلها للزوجة صاحبة القصعة المكسورة.

ومع بساطة هذه القصة، إلا أنها لا تخلوا من مدلول عظيم على سمو خلقٌ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقديره لأحوال الناس، وظروفهم الطارئة.

ولو فعل أحد العلماء مثل هذا الفعل أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكان فيه من الاستهجان وتجاوز حدود الأدب الشيء الكثير، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدرك -وقتئذ- حالتها الخاصة، وما ثار فيها من غَيْرة النساء التي تُفقِدُهُن عقلَهن، وحُسنَ التصرف، فما زاد أن قال: ((غارت أُمّكم)).

ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي على ولدها، فقال: ((اتقي الله واصبري) قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بَوَّابِين، فقالت: لم أعرفك، فقال: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) (٢).

ولا شك أن كلمتها (إليكَ عني) كلمة كبيرة على أحدنا، فكيف إذا قيلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! ؟

ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد الحكماء، أدرك ما كانت المرأة عليه من حالة خاصة، فضلاً عن أنها لم تعرفه .. فأعرض عنها، بل أعرض عن تعليمها، لأنها في حال لا يُمَكّنها من القبول والفهم، فلما جاءته وكانت


(١) رواه البخاري (٢٤٨١، ٥٢٢٥).
(٢) أخرجه: البخاري (١٢٨٣)، ومسلم (٩٢٦).

<<  <   >  >>