للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحبونه لخالاتهم". قال: فوضع يده عليه، وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحَصِّن فَرْجَه" قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (١)

لقد أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حالته الخاصة، فلقد كان يتصارع في نفس الشاب شهوة عارمة، وإيمان صادق، ولم ير الشاب -وقتئذ- حلاً لهذا الصراع، وَفَضَّاً لهذا النزاع .. إلا إذناً مؤقتاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجاوز به حدود الشرع مؤقتا .. ثم يرجع إلى الشرع.

فتَقَدَّم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستأذنه بالزنى بكل صراحة، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الشاب، فلم يتوجه إليه بموعظة إيمانية، فضلاً عن أن يُعنِّفه أو يُوَبِّخه أو يطرده، لأن الشاب كان ممتلئاً إيماناً، ولولا ذلك لزنى دون إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلمه، وما دفعه إلى الاستئذان إلا الإيمان. فراح النبي - صلى الله عليه وسلم - يُذَكِّرُهُ بما في هذا العمل من مفسدة أخلاقية عظيمة .. تستبشعها الفطر السليمة، وتستقبحها النفوس العفيفة .. إذ أن المسألة ليست مسألة حرام فحسب ... بل فيها مفاسد أخرى، فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: إذا استأذنت لك من الله ... فكيف نحصل على الإذن من آباء المزني بهن، وإخوانهن، وأعمامهن، وأخوالهن .. وإذا أذنت لك بالزنى بقريبات هؤلاء .. فهل ترضى أن آذن لهم فيزنوا بقريباتك ...

ولما بدأ الشاب يشعر أن لا مجال للإذن، ولا سماح بالإثم .. سارع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تثبيته بدعاء، يثلج الصدور .. ويطمئن القلوب .. ويهدئ الأنفس ((اللهم اغفر ذنبه .. وطَهِّر قلبه .. وحَصِّن فَرْجَه)) (٢)


(١) رواه أحمد (٥/ ٢٥٦ - ٢٥٧) واللفظ له، والطبراني في الكبير (٧٦٧٩، ٧٧٥٩)، وفي مسند الشاميين
(١٥٢٣)، وقال الهيثمي في المجمع (١/ ١٢٩): رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
(٢) تقدم تخريجه في ص ( ... ).

<<  <   >  >>