ومن هذا الباب؛ الدعوة إلى التوحيد قبل العبادات .. وإلى الإيمان قبل الأحكام .. والخوف من الله قبل النهي عن المحرمات .. ووحدة الصف مقدمة على الدعوة إلى السنن، وهكذا مما سيأتي تفصيله في بابه.
وليس من مانع إذا رأى الداعية مصلحة في الكلام عن أكثر من أمر، أن يُقدم مهماً على أهم، في بعض الحالات، لمصلحة ظاهرة، إذ يترجح المفضول على الفاضل ببعض القيود.
كأن يزور قوماً كثرت فيهم معصية كالسفور، وليس لديه وقت للتدرج معهم .. فيباشر بالدعوة إلى الستر .. وهكذا.
ولذلك نجد هذا الفقه واضحاً في وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، وفي مقدمتهم معاذ رضي الله عنه، حين بعثه إلى اليمن، وسيأتي تفصيل ذلك في متن البحث.
إن فقدان فقه الأولويات، يحدث خللاً بالغاً في الدعوة، ويوقع كثيراً من الدعاة في اضطراب في المنهج، وتخبط في الدعوة، فتضيع بذلك الأوقات. وتُهدر الطاقات. ويُحدث ذلك أثراً سلبياً، وربما نتائج عكسية، في دعوة من فَقَدَ ذلك.
إن فاقد فقه الأولويات، قد يدعو إلى الأعمال قبل تحقيق توحيد الربوبية والألوهية، وإلى السنن قبل الواجبات، وإلى ترك المكروهات قبل المحرمات، وإلى الشكليات قبل المضامين، وإلى الفرعيات قبل الأسس، كوحدة الكلمة، وتماسك الصف، مما ينعكس أثره سلبياً على الدعوة.