للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (١) قَالَ قَوْمٌ سَمِعوا الآيَةَ: شَكَّ إِبْراهيمُ، ولم يَشُكَّ نَبِيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، فقَالَ رَسولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "أَنا أَحَقُّ بالشَّكِّ مِنْ إِبْراهيمَ" تَواضُعًا مِنْهُ، وَتَقْديمًا لإِبْراهيمَ على نَفْسِهِ؛ يُريدُ أنّا لم نَشُكَّ، وَنَحْنُ دُونَهُ، فكَيْفَ يَشُكُّ هُوَ؟ وَمِثْلُ هذا مِنْ تَواضُعِهِ - صلى الله عليه وسلم -.

* قَوْلُهُ: "لا تُفَضِّلُوني على يُونُسَ" (٢) فاخْتَصَّ يُونُسَ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ العَزْمِ مِن الرُّسْلِ؛ يُريدُ فإذا كُنْتُ لا أُحبُّ أَنْ أُفَضَّلَ على يُونُسَ - صلى الله عليه وسلم -، فَغَيْرُهُ مِن الأَنْبِياءِ الذينَ هم فَوْقَهُ في الدَّرَجَةِ كإِبْراهيمَ وإسْماعيلَ وإسحاقَ ومُوسى وعِيسى أَحْرَى بل لا أُحِبُّ أَنْ أُفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، ولَيْسَ هذا ناقِضًا لقَوْلِهِ: "أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخْرُ" (٣) أنا سَيِّدُهم يَوْمَ القِيامَةِ بِفَضْلِ اللهِ عَلَيَّ، وإِنْعَامِهِ لْا بِعَمَلِيْ. وكذلك أُمَّتُهُ أَسْهَلُ الأُمَمِ مِحْنَةً بَعَثَهُ اللهُ إِلَيْها بالحِنيفِيّةِ السَمْحَة، وَوَضَعَ عَنْهُ الإِصْرَ، والأَغْلالَ التي كانَتْ عَلَى بَني إسْرائيلَ في فَرائِضِهِمْ، وهيَ مع هذا خَيْرُ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ بِفَضْلِ اللهِ (٤).

• وتَأْوِيلُ قَوْلِ إبْراهيمَ - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أَنْ يَطْمَئِنَّ بِيَقينِ النَّظَرِ. واليَقينُ جِنْسانِ: أَحَدُهُما يَقينُ السَّمْع، والآخَرُ يَقينُ البَصَرِ. ويَقينُ البَصَرِ أَعْلاهُما؛ ولذلك قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ المُخْبِرُ كالمُعايِنِ" (٥). حيْنَ ذَكَرَ قَوْمَ مُوسَى


(١) الآية ٢٦٠ من سورة البقرة.
(٢) رواه البخاري ٦/ ٣٢٤ في الأنبياء، ومسلم رقم ٢٣٧٧ في الفضائل، وأبو داوود رقم ٤٦٦٩ في السنّة، و ٤٦٧٠ في السنة.
(٣) رواه الترمذي رقم ٣١٤٧ في التفسير و ٣٦١٥ في المناقب و ٣٦١٨ في المناقب، ومسلم رقم ٢٢٧٨ في الفضائل، وأبو داوود رقم ٤٧٦٣ في السنة، وابن قيّم الجوزية في زاد المعاد ١/ ٩٦.
(٤) الكلام نفسه تقريبًا في كتاب ابن قتيبة تأويل مختلف الحديث ١١٦ - ١١٧.
(٥) انظر مسند الشهاب ٢/ ٢٠١، ومسند أحمد ١/ ٢١٥، ٢٧١، والمقاصد الحسنة ٥٥٨، وكشف الخفاء ٢/ ٢٣٦، والفتح الكبير ٣/ ٥٨، والمستدرك ٢/ ٣٢١، ومجمع الزوائد =

<<  <   >  >>