للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١٠ - سألتَ عن قولِ رسولِ اللهِ: "إيّاكم والظَّنَّ فإنّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحديثِ" (١) قلتَ: وقد قال عمر: "احتجزوا عن النَّاسِ بسُوْءِ الظَّنِّ" (٢)؟ .

• وظَنَنْتَ هذا خلافَ ذلكَ. ولهذا مَوْضِعٌ خلافُ مَوْضِعِ الآخَر، وإنما أرادَ النبيُّ بقولهِ: "الظنُّ أكذبُ الحديثِ" إذا ظَنَنْتُمْ فلا تُحَقِّقُوا كما قال في حديثٍ آخَرَ: "ثَلاثَةٌ لا يَسْلَمُ مِنْهنَّ أَحَدٌ؛ الطِّيَرَةُ والحَسَدُ والظَّنُّ، فإذا تَطَيَّرْتَ فلا تَرْجِعْ، وإذا حَسَدْتَ فلا تَبْغِ، وإذا ظَنَنْتَ فلا تُحَقِّقْ" (٣).

وأما قولُ عُمَرَ: "احتجزوا من النّاسِ بسُوءِ الظَّنِّ". فإنّه يُريدُ لا تَنْبَسِطوا إلى كلِّ النّاس، ولا تَأْنَسُوا بهم، ولا تُفْضُوا إِلَيهِمْ بأَسْرارِكُمْ، فإنّ ذلك أَسْلَمُ لَكُمْ.


(١) رواه البخاري ٩/ ١٧١ في النكاح: باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، وفي الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، وباب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ}، وفي الفرائض، باب تعليم الفرائض، ومسلم رقم ٢٥٦٣ في البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس، والموطأ ٢/ ٩٠٧ و ٩٠٨ في حسن الخلق، باب ما جاء في المهاجرة، وأبو داود رقم ٤٨٨٢ و ٤٩١٧ في الأدب، باب في الغيبة، وباب في الظن، والترمذي رقم ١٩٢٨ في البر والصلة، باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم.
(٢) غريب ابن الجوزي ٢/ ٥٧، والنهاية ٣/ ١٦٣.
(٣) رواه ابن قتيبة أيضًا في كتابه: تأويل مختلف الحديث ص ١٠٧، وانظر القرطبي ١٦/ ٣٣٢.

<<  <   >  >>