للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٢١ - سألتَ عن حديثِ وابصةَ (١)، حين سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البر والإِثم فقال له: "البرُّ ما انشرحَ له صَدْرُكَ؛ والإِثْمُ ما حاكَ في صدْرِكَ، وإن أفْتاكَ عنه النّاسُ" (٢). وقلتَ: أيجوز أن يكون الرجل يُخْبَرُ بشَيْءٍ من الخيرِ عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو أصْحابِه، فَيَحيكُ في صدرِه، أو يُنْهى عن الشَّرّ، فيكونُ كذلك أم كيف وجه الكلام؟ .

• والذي عندي أَنَّ هذا يَقَعُ في الأَمْرِ الذي قد اخْتُلِفَ فيهِ قديمًا، فرُوِيَ عن قومٍ من السَّلَفِ أنَّهُمْ فَعَلُوهُ، وآخرينَ كَرِهُوهُ، أو حَرَّمُوهُ، وَلَا يَعْلَمُ السامعُ بالخَبَرَيْنِ على أيِّهِما يعملُ؟ وَلَا أيَّ الفريقَيْنِ يَتْبَعُ؟ كالمُسْكرِ من الشراب، واللَّعِبِ بالشِّطْرنج، والشهادةِ [لمجلسٍ] (٣) من الغِناء، وأشباهِ هذا. وصَدْرُ المُؤْمِنِ المُشْفِقِ لا يَنْشَرِحُ إلَّا [لتركِهِ] (٤) والإِعراضِ عنه، فإنْ هو لم يَتْرُكْهُ ومالَ به الهَوَى إلَّا ملابَسَتِهِ فِعْلَهُ، وفي قلبِهِ منه حَازٌّ، وإنَّما حَزَتْ هذهِ الأشياءُ في القلوب


(١) هو وابصة بن مَعْبَد بن مَالِك بن عُبَيد الأَسَدِيّ، من أسد بن خُزَيْمَةَ: له صحبة، سكن الكوفة ثم تحوّل إِلَى الرَّقَّة، فَأقَامَ بها إِلَى أن مات. وكان كثير البكاء، لا يملك دمعته، وكان له بالرقَّة عَقِب، من ولده: عبد الرَّحمن بن صخر قاضي الرقة أيام هارون الرشيد. توفي بالرقة. أسد الغابة ٥/ ٤٢٧.
(٢) رواه مسلم رقم ٢٥٥٣ في البر، باب تفسير البر والإِثم، والترمذي رقم ٢٣٩٠ في الزهد، باب مَا جَاءَ في البر والإِثم، وأحمد في المسند ٤/ ٢٢٧.
(٣) في الأصل بياض ولعلَّ الكلام يستقيم إِذَا وضعنا كلمة "لمجلسٍ".
(٤) في الأصل بياض ويستقيم الكلام بوضع كلمة "لتركه".

<<  <   >  >>