للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨٩ - سألتَ عن قَوْلِ اللهِ جلَّ وعزَّ في القُرْآنِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (١) وقلتَ: قد جعله قولًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وهذا يَدُلُّ على أَنَّ القرآنَ كَلامُ اللهِ تبارَكَ وتعالى، وكلامُ اللهِ غَيرُ مَخْلوقٍ (٢) , وقَوْلُ النبيِّ مَخْلوقٌ؟ .

• والذي عندي أَنّهُ كلامٌ محذوفٌ مِنْهُ، كأنَّهُ أرادَ: إنه لقول رسول كريم عن اللهِ. أي بَلَّغَهُ عَنْهُ، والمحذوفُ في كلامِ العربِ كَثيرٌ. من ذلك قولُ اللهِ عزّ وجلّ: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} (٣) [أي عاصف] (٤) الريح فَحَذَفَ الرّيحَ لمّا كانَ في تَقَدُّمِ ذِكْرِ الريحِ دليلٌ على ذلك.

وقَوْلُهُ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} (٥) أراد تقيكم الحَرَّ والبَرْدَ، فَحَذَفَ البَرْدَ لأَنَّ ما (٦) ... وفي الحَرّ، وفي البَرْدِ. وكذلك قولُهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} لمّا كان في رسولٍ دَليلٌ على مُرْسَلٍ جازَ أن يُضْمِرَهُ، ولو كان الاسمُ العلمُ لم يَجُزْ مَعَهُ الإِضمارُ. لو قال قائل: هذا كتابُ زيدٍ لم يجز أن يكونَ أرادَ (هذا كتابُ زيدٍ عن فلانٍ) لأَنَّهُ ليس في ظاهرِ الكلام دَليلٌ على المحذوف، فإنْ قال: هذا كتابُ وكيلٍ جازَ أنْ يُضْمِرَ عن فلانٍ لأَنَّ في وكيلٍ دليلًا على مُوْكِلٍ، كما أن في رسولٍ دليلًا على مُرْسِلٍ (٧).


(١) سورة الحاقة الآية ٤٠ أو سورة التكوير الآية ١٩.
(٢) انظر حول موضوع خلق القرآن.
(٣) سورة إبراهيم الآية ١٨.
(٤) [أي عاصف] زيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام.
(٥) سورة النحل الآية ٨١.
(٦) في الكلام سقط لأن الكلام مضطرب.
(٧) انظر القرطبي ١٨/ ٢٧٤.

<<  <   >  >>