للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَبارَكَ وتعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ مَوْزُونٍ} (١)، ثم قال: {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (٢) وهذا المقدَّرُ من الرِّزْقِ، وهو الموزونُ الذي يَخْفِضُ به القسطَ، وَيَرْفَعُهُ. والقُسْطارُ (٣) إذا وزنَ بالشَّاهينِ (٤) خفضَ يَدَهُ ورَفَعَها، وإِنما هذا تَمْثيلٌ لما يُقَدِّرُهُ ثم يُنْزِلُهُ، فَشَبَّهَهُ بوَزْنِ الوَزَّانِ الذي يَزِنُ، فيَخْفِضُ يَدَهُ، وَيرْفَعُها.

ومثلُهُ قَوْلُهُ: في حديثٍ آخَرَ لرجُلٍ أتاهُ فقال لَهُ: "أرَبُّ إِبِلٍ أنتَ أمْ غَنَمٍ"؟ فقالَ: من كُلٍّ قد آتاني اللهُ، فَأَكْثَرَ، وَأَطْنَبَ قال: "فَتُنْتِجُها وافِيَةً أَعْيُنُها وآذانُها، فتجدَعُ هذه، وتقولُ: بَحيرةٌ، فساعدُ اللهِ أشَدُّ، ومُوْساهُ أَحَدُّ" (٥). أراد أنك تَجْدَعُ الصِّحاحَ الآذانِ، وتقولُ: أَذِنَ الله بذلك. ولو شاءَ اللهُ أتاك بها مَجْدوعَةً، ومُوساهُ أَحَدُّ من مُوساكَ، يريد أنك تجدعها بالموسى الذي يَجْدَعُ اللهُ بِهِ ما أَرادَ جَدْعَهُ، وهو أُمْرُهُ أَحَدُّ من موساك، فجعله موسى إذْ كانَ النَّاسُ يَجْدَعونَ بالمَواسي، وإِنّما هو مَثَلٌ. ومَعْنى قَوْلِهِ على هذا التأويل يخفض القسط، ثم يرفعه: أنه يُقَدِّرُهُ، ثم يُنْزِلُهُ مُقَدَّرًا مَوْزونًا، فَكَأَنَّهُ، فيما يَعْرِفون ويُشاهِدون، القِسْطُ


(١) سوة الحجر الآية ١٩.
(٢) سورة الحجر الآية ٢١.
(٣) القسطار: منتقد الدراهم. اللسان (قسطر).
(٤) الشاهين: القسطاس. وهو أعدل الموازين وأقومها. اللسان (قسطس).
(٥) رواه أحمد في المسند ٤٧٣/ ٣، و ٤/ ١٣٦، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/ ١٠، وانظر الفائق ٢/ ٢٩٤، والغريبين ١/ ١٣٣، والقرطبي ٦/ ٣٣٦ - ٣٤١، والنهاية ١/ ١٠٠ واللسان والتاج (بحر) و (سعد).
والبحيرة: بحر الناقة والشاة يبحرها بحرًا شقّ أذنها بنصفين، وهي البَحيرة، وكانت العرب تفعل ذلك بهما إذا نتجتا عشرة أبطن فلا ينتفع منهما بلبن ولا ظهر، وتترك البحيرة ترعى وترد الماء، ويحرم لحمها على النساء، ويحلل للرجال، فنهى الله عن ذلك ... وجمعها بُحُر. اللسان (بحر).
والموسى من آلة الحديد التي تحلق بها. وجمعها مواسي. اللسان (موس).

<<  <   >  >>