للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد روي في حديثٍ آخَرَ عن عُمَرَ أنّه قال: "إن في المعارِضِ مندوحةً عن الكذبِ" (١) وقال ابنُ سيرينَ (٢): "الكلامُ أوسعُ مِنْ أنْ يَكْذِب فيه ظَرِيف" (٣). وقال آخَرُ في قولِهِ: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (٤) لم يَنْسَ ولكنّها من معارِضِ الكلامِ (٥)؟ .

• وتَوَهَّمْتَ أنّ هذا ناقضٌ للحديثِ الذي نَهَى فيه عُمَرُ عن اللُّغَيزَى في اليمينِ.

والذي نَهَى عنهُ عُمَرُ أن تُلْغِزَ في اليمينِ إذا بايَعْتَ لِتُدَلِّسَ، أو تُخْفِيَ عَيبًا، أو تُرَغِّبَ المُشْتَرِي في السِّلْعَة، وهُوَ زاهدٌ فيها، وإذا أنت فَعَلْتَ ذلك عَزَرْتَ وغَشَشْتَ وزيَّنت عندَهُ باليمينِ ما لَعَلّهُ لا يتزينُ عندَهُ إذا اشترى الشَّيءَ وفارقَكَ، وهذا لا يجوز ولا يَحِلُّ.


(١) انظر الحديث في الفائق ٢/ ٤١٩، والنهاية ٣/ ٢١٢، وغريب الحديث ٢/ ٨٥، وتأويل مشكل القرآن ٢٠٧، وغريب الحديث لأبي عبيد ٤/ ٢٨٧، وانظر المقاصد الحسنة ص ١٩٥. وفي اللسان (عرض): "المعاريض: التورية بالشيء عن الشيء. وفي المثل، وهو حديث مخرّج عن عمران بن حصين، مرفوع: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب أي سعة وفي حديث عمر: أما في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب".
(٢) هو أبو بكر البصري، الأنصاري بالولاء، محمد بن سيرين: إمام وقته في علوم الدين بالبصرة. تابعي. من أشراف الكتّاب. نشأ بزازًا، في أذنه صمم. وتفقه وروى الحديث، واشتهر بالورع وتعبير الرؤيا. مولده ووفاته في البصرة سنة ١١٠ هـ.
وفيات الأعيان ٤/ ١٨١، والأعلام ٦/ ١٥٤.
(٣) انظر روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص ٤٢، والحلية ٢/ ٢٦٤.
(٤) الآية ٧٣ من سورة الكهف. وانظر القرطبي ١١/ ٢٠.
(٥) أعراض الكلام ومعارضه ومعاريضه ما عُرِّض به، ولم يصَرِّح والمعاريض التورية بالشيء عن الشيء. والتعريض: خلاف التصريح وقد يكون بضرب الأمثال, وذكر الألغاز في جملة المقال. اللسان (عرض).

<<  <   >  >>