للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبا سعيدٍ ليسَ من أصحاب الخُصومَة، وإِنّما هو إمامٌ من أَئِمَةِ المسلمينَ، ولكنْ على ما قيلَ: إنّ السِّحْرَ لا يضرُّ إلّا بإذنِ اللهِ. أَفَتَقولُ أنتَ غيرَ ذلكَ؟ قال: فسكت فلم يقل شيئًا. فقال عبيدُ اللهِ, فكأنّما كان علينا حِمْلٌ فوُضِع.

قلتَ أنت: وهذا عندي إعراضٌ عن الجواب، وقد صدقتَ في قولِكَ إنّه ليسَ جوابًا بيّنًا ولا مُقْنِعًا؟ .

• والذي عندي في قولهِ: {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} (١) أنّه من العامِ الذي أُريدَ به الخاصَ، كقولِهِ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (٢) أي تُدَمِّرُ الريح كلّ شيءٍ (٣). مِثْلُهُ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ} (٤) أُتِيَتْهُ الملوك كذلك قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ} يُريدُ من الرِّزْقِ {إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} فأضمرَ الرزقَ، والعَرَبُ تُضْمرُ ما يَدُلُّ ظاهرُ الكلام عليه، وظاهرُ هذا الكلامِ يدلُّ على الضميرِ فيه لأنّه قال في صَدْرِ الأيةِ: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ مَوْزُونٍ} (٥) يعني أَنْبَتْنا فيها من كُلِّ شَيءٍ من الأَرْزاق مُقَدَّرًا، ثم قال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} (٦) فَدَلَّ برازقينَ على أنّ المضمرَ للرزقِ في قولهِ: {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} ثم قال: وما ننزله من الخزائن إلا بقدر معلوم يُريدُ نُقَسِّمُهُ على من نرزقُهُ إياه بقَدَرٍ معلوم، أي نوسِعُ على واحد، ونُضَيِّقُ على واحد (٧).


(١) الآية ٢١ من سورة الحجر.
(٢) الآية ٢٥ من سورة الأحقاف.
(٣) في الأصل: "أي تدمر كل شيء تدمر الريح"، والصواب ما أثبتناه.
(٤) الآية ٢٣ من سورة النمل.
(٥) الآية ١٩ من سورة الحجر. وانظر القرطبي ١٠/ ١٤.
(٦) الآية ٢٠ من سورة الحجر، وانظر القرطبي ١٠/ ١٣.
(٧) انظر القرطبي ١٠/ ١٤.

<<  <   >  >>