منزلته الملائمة له، من غير تهوين لشأنه، ولا تعظيم لخطره، ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ لذلك فإنَّه ينبغي على ولاة أمر الأُمَّة الإسلاميَّة، من قادة وعلماء ومفكرين وباحثين؛ أن يحققوا في معرفة التيارات والقوى المعادية للأُمَّة الإسلاميَّة خصيصة السبق والمسارعة، ولعله ما قد يُعرَفُ في العصر الراهن بمسمى (الدراسات الاستراتيجية)، وعن طريقها، أو ما يحل محلها: يتم الوعي بوضع الأُمَّة على حقيقته، وما يحيط بها من قوى معادية، ومن جهة أُخرى إدراك التحولات في مسار الدراسات الاستشراقية، وتقديرها بقدرها، من حيث سلبياتها وإيجابياتها، والموازنة بين ذلك، لتكون الأُمَّة على بينة من أمرها, ولتعد للأمر عدَّته، وما يستلزم من وسائل وأساليب، وبخاصة ما يتصل بالاستشراق بصفته حركة تعتمد على البحوث العلميَّة والأعمال الموسوعيَّة، والدوريات ونحو ذلك من الأعمال (الأكاديميَّة) والتعليميَّة، وما يتصل بها من عقد المؤتمرات الدوليَّة، التي زادت على ثلاثين مؤتمرًا دوليًّا، أمَّا المؤتمرات الإقليميَّة: فإنَّه يصعب حصرها، وذلك كله يتصل بفكر الأُمَّة الإسلاميَّة وثقافتها وتاريخها وحضارتها، وواقعها ومستقبلها، ويعدُّ -في حقيقة الأمر- من خصوصياتها، وبطانة أمرها، والتصدي لهذا الواقع، ومواجهة هذا التحدي لا يتأتى على الوجه المطلوب إلَّا على مستوى الأُمَّة، من حيث الاهتمام والتخطيط والإعداد والتنسيق والشمول والتكامل والتنفيذ.
وختامًا فإنَّه ينبغي الإشادة بما أنجز من أعمال نقديَّة لإنتاج المستشرقين مع ما تنطوي عليه من تكرار، وعدم تنسيق، وأوجه قصور أخرى متنوعة؛ منها: أنَّها لم ترق بعد لتكون في مستوى الإنتاج الاستشراقي لا من حيث الكم أو الكيف، ولكنَّها خطوات راشدة -بمشيئة اللَّه وعونه وتوفيقه- تشق طريقها لدفع عادية الاستشراق والمستشرقين بالوسائل والأساليب العلميَّة المستخدمة في المناهج البحثيَّة المقررة.