التحوُّل لما يدل عليه من تميز المسلمين، ليس على صعيد العقيدة فحسب، بل وفيما يختص بالعبادة والشعائر، كما يعبر عن ذلك أحد المفكرين المسلمين:(ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه كي يتميز هو، ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه. . . فهذا التميُّز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد. . . ومن هنا كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم، التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء.
ولم يكن هذا تعصبًا، ولا تمسكًا بمجرد الشكليات، وإنَّما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات؛ كان نظره إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة، وهذه البواعث تفرق قومًا عن قوم، وعقلية عن عقلية، وتصورًا عن تصور، وضميرًا عن ضمير، وخلقًا عن خلق، واتجاهًا في الحياة عن اتجاه) (١).
وليس هذا فحسب، بل أنّ تميز الأمة الإسلاميَّة ظل مستهدفًا من أعدائها منذ تكوينها وإلى يومنا هذا، ومن أبرز ما استهدفه أهل الكتاب ما يدل عليه قوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة: ١٠٩]، وقوله تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}[البقرة: ١٢٠]، وقوله تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة: ٢١٧].
إنَّ هذا الموقف من أهل الكتاب وغيرهم قد تمثَّل في هذا العصر في كثير من المستشرقين الذين ظهرت على أيديهم حركة تتراءى -في ظاهرها-
(١) سيد قطب: في ظلال القرآن ١/ ١٢٨، الطبعة السابعة، عن دار الشروق، ١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م بيروت.