للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جعل اللَّه الرحمة في مئة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" (١)، ومن لطف اللَّه وكرمه أن رحمته سبقت غضبه كما في الحديث: "إن اللَّه كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: أن رحمتي سبقت غضبي" (٢)، ولذلك ورد أيضًا في الحديث الشريف: "لو يعلم الكافر ما عند اللَّه من الرحمة ما قنط من جنته أحدٌ" (٣)، وقد بين اللَّه عز وجل أن رحمته وسعت كل شيء، وأنه يختص بها من يشاء، وأنه سيكتبها لعباده المؤمنين كما في قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]، وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: ٢]، ولئن كانت الرحمة بهذا الشمول والعمق والتأثير فإن ما يتعلق منها بالأخوة الإسلامية يتمثل في ذلك القلب النابض بالحب والرأفة والحدب على غيره الذي يكتنفه كل مسلم.

ومن هنا تكون لَبِناتُ الأمة الإسلامية سليمة الطوية مرهفة الحس تتعاطف وتتألف وقدوتها في ذلك، وفي كل خلق كريم سيد الأنبياء وخاتم المرسلين -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد (كان رحيمًا في كل المواطن، وكانت عيناه تفيضان بالدموع عندما يفيض قلبه بالرحمة، وقد يسمع صوت بكائه عليه الصلاة والسلام، ولم يفقد الرحمة حتى في المواقف التي يضطهد فيها، يضيق


(١) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (٥/ ٢٢٣٦)، رقم الحديث: [٥٦٥٤]، تحقيق: مصطفى ديب البغا، مرجع سابق.
(٢) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (٦/ ٢٧٤٥)، رقم الحديث: [٧١١٥]، المرجع السابق نفسه.
(٣) أخرجه مسلم: صحيح مسلم: (٤/ ٢١٠٩)، رقم الحديث: [٢٧٥٥]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>