للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الغار، ينظر إلى أقدام المشركين المطاردين الخانقين عند أسفل الغار، فيخاف ويحزن ليس على نفسه بل على الرسول نفسه، وعلى ما يمثله الرسول، فيقول له: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا) (١).

ويأتي رد الرسول صادرًا عن ذلك الإيمان القوي بعون اللَّه لعباده ودفعه عنهم وحمايته لهم: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين، اللَّه ثالثهما" (٢)، ويعلن اللَّه -تبارك وتعالى- هذه الحماية التي لا حماية بعدها بقوله في كتابه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٤٠].

وفي هاتين السورتين تتجلى معاني الأخوة بعمقها وشمولها، إذ تضمنت الفداء بالنفس والمال والأهل والثقة المطلقة بموعود اللَّه مع ما اكتنفتا من مشاعر الحب والإيثار، يقول ابن إسحاق: (انتهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر إلى الغار ليلًا، فدخل أبو بكر -رضي اللَّه عنه- قبل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنفسه) (٣)، إنها قمة التضحية والفداء التي


(١) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (٣/ ١٣٣٧)، الحديث رقم: [٣٤٥٣]، والحديث رقم [٣٧٠٧]، وفي: (١٧١٣٤)، الحديث رقم: [٤٣٨٦]، بألفاظ متقاربة واللفظ المثبت أعلاه هو الحديث رقم [٣٤٥٣]، تحقيق: مصطفى ديب البغا، مرجع سابق، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: "لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه"، وقال المحقق: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ انظر: الموسوعة الحديثية (مسند الإمام أحمد بن حنجل: (١/ ١٨٩، ١٩٠)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، مرجع سابق.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده باللفظ نفسه: المرجع السابق نفسه: ص: (١٩٠).
(٣) ابن هشام: السيرة النبوية: (٢/ ١٢٧)، مرجع سابق. وانظر: الإمام الصالحي: سبل الهدى والرشاد: (٣/ ٢٣٨ - ٢٦٥)، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>