للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء فرده الآخر إلى الثالث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم -رضي اللَّه عنهم- وأرضاهم) (١).

ومما ينبغي الإشارة إليه أن ذلك الإيثار الذي اتصف به الأنصار في صور كثيرة تفوق الحصر كانت تقابل من المهاجرين في إطار الأخوة الإسلامية نبلًا وسماحة خلق، من ذلك قصة عبد الرحمن بن عوف مع أخيه الأنصاري سعد بن الربيع، التي رواها البخاري؛ من أن سعدًا قال لعبد الرحمن: (إني أكثر الأنصار مالًا، فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مهيم"؟ قال: تزوجت، قال: "كم سقت إليها"؟ قال: نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب -شك إبراهيم) (٢).

وهذا يبين ما كان عليه المهاجرون من سماحة الخلق والنبل، وأنهم قابلوا (إيثار إخوانهم وسماحتهم بتقدير كامل وسماحة مماثلة رافضين منذ البدء أن يكونوا اتكاليين على إخوانهم وعالة على أولئك الذين آووهم وقاسموهم) (٣)، ولا يتعارض هذا المعنى مع قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي سبق آنفًا: "هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر" (٤)؛ لأن المقصود بذلك العمل في مجال الزراعة؛ ولأن المجتمع الإسلامي الوليد


(١) تفسير القرآن العظيم: (٤/ ٣٣٨)، مرجع سابق.
(٢) صحيح البخاري: (٣/ ١٣٧٨)، الحديث رقم: [٣٥٦٩]، ومعنى "مهيم" (ما حالك وما شأنك وما خبرك) وقوله: (شك إبراهيم)، هو راوي الحديث. انظر: مصطفى ديب البغا، المحقق، مرجع سابق.
(٣) عماد الدين خليل: دراسات في السيرة ص: (١٥٤)، مرجع سابق.
(٤) سبق تخريجه: ص: (٥٣٦)، البحث نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>