المشهور، وتبعه في طريقته معاصره وتلميذه الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (٢٦١ هـ) فألف صحيحه المشهور، وكان لهما فضل تمهيد الطريق أمام طالب الحديث ليصل إلى الصحيح من غير بحث وسؤال، وتبعهما بعد ذلك كثيرون، فألفت بعدهما كتب كثيرة.
ثُمَّ جاء القرن الرابع فلم يزد رجاله على رجال القرن الثالث شيئًا جديدًا إلَّا قليلًا مِمَّا استدركوه عليهم، وكل صنيعهم جمع ما جمعه من سبقهم، والاعتماد على نقدهم، والإكثار من طرق الحديث. . . بهذا تَمَّ تدوين السُّنَّة وجمعها، وتمييز صحيحها من غيره، ولم يكن لعلماء القرون التالية إلَّا بعض الاستدراكات على كتب الصحاح كمستدرك أبي عبد اللَّه الحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ هـ) الذي استدرك على البخاري ومسلم أحاديث يرى أنها من الصحاح متفقة مع شرطيهما مع أنهما لم يخرجاها في صحيحهما، وقد سلم له العلماء -ومن أشهرهم الذهبي- قسمًا منها وخالفوه في قسم آخره) (١).
وخلاصة القول في ذلك: (أنَّ السُّنَّة حفظت زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحابته في الصدور، ودُوِّن بعضها في السطور، وبعد عصر الصحابة بذل العلماء جهودًا كبيرة في التثبت من صحة الأحاديث عن طريق دراسة سند الحديث
(١) مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ص ١٠٤ - ١٠٧، (مرجع سابق). ومِمَّا ينبغي ذكره ما تشهد الأمَّة الإسلاميَّة من إقبال العلماء وطلبة العلم على خدمة السنة وعلومها ومتون الحديث والأثر وشروحها وتراجم أعلامها وخدمة معاجمها، وتحقيق المسانيد والصحاح والسنن والمصنفات المتنوعة. . مع الإفادة من الوسائل الحديثة، ولمزيد الاطلاع انظر: محاضرة لمحمد مصطفى الأعظمي؛ بعنوان: تقنية المعلومات وفك القيود عن كتب السنَّة، ألقاها في قاعة المحاضرات التابعة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض، بتاريخ ١٦/ ٦/ ١٤١٤ هـ.