للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصدقًا لها، ومهيمنًا عليها: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: ٤٨]، صدر عن اللَّه وحده لا شريك له، وأوحى به إلى نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كما أوحى إلى الأنبياء من قبله، وإذا كان المستشرقون -كما قال أحد الباحثين-: (يعترفون بالوحي والأنبياء فلماذا ينكرون على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يجيزونه لليهود والنصارى، ولماذا لا يكون الإسلام حلقة أخيرة في حلقات الأديان ولبنة متممة لذلك الصرح الشامخ. . .، أمَّا إذا كانوا ينكرون الوحي، ويجعلون الأديان على صعيد واحد مع الاتجاهات الفكرية البشرية؛ فإنَّ منهجهم هذا مرفوض وقاصر عن فهم طبيعة الأديان، وعندها تكون الأديان جميعًا مهدَّدَة بموجة إلحادية تعصف بكل القوى الروحية في العالم) (١).

ولكن الغريب في أمر أولئك المستشرقين أنهم جعلوا ربانية المصدر للإسلام مجالًا للنقد والجدل النظري والمنهج التجريبي، ونأوا بالديانة النصرانية عن ذلك أو بعبارة أدق، (لم يحاولوا التشكيك في وحي عيسى -عليه السلام- باسم المنهج العلمي نفسه بل صانوه، وأقاموا الدعوى على أنَّه بديهي التسليم وبعيد عن مجال الجدل العقلي النظري أو العلمي التجريبي) (٢).

ويتساءل أحد المفكرين عن هذا التناقض والنظرة المتعصبة إزاء الوحي، إذ يسلمون به لعيسى -عليه السلام- وينكرونه في حق رسولنا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقول: (إذا كان الوحي -كأمر غير اعتيادي- يخضع للطريقة العلميَّة الحديثة، أفلا يقضي المنهج السليم أن يكون أنواع الوحي في ذلك سواء، فلِمَ يناقش نوع واحد من الوحي (الوحي المحمدي) باسم العلم ويتشكك


(١) انظر: زقزوق: الاستشراق. . ص ٨٦، ٨٩، ١٢٠، (مرجع سابق).
(٢) محمد البهي: الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار: ص ٢٤٧، (مرجع سابق)، وانظر: عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام: ص ٢١، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>