للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتاريخ هذه الوفود وما اشتمل عليه من معان عميقة ودلالات ذات أبعاد واسعة، فيما يتعلق بعالمية الإسلام وأمته، مِمَّا أسهب العلماء في ذكره ودراسته وتفسير أحداثه ومتعلقاتها (١)، بيد أنَّ مِمَّا ينطوي عليه بصفة خاصَّة التأكيد على عالميَّة الأُمَّة الإسلاميَّة، فقد وسعت قبائل وشعوب، وبلدان على الرغم مِمَّا كان بينها من الاختلافات، والتناقضات؛ على صعيد المصالح، وعلى سعيد الاتجاهات الفكريَّة، والتشريعية، والسلوكيَّة، وعلى الرغم مِمَّا تتسم به علاقاتُها من صراع واقتتال وتناحر وتناجز لأتفه الأسباب، وما كانت عليه من انحطاط، وتخلف في الثقافة والحضارة، وفي العقيدة والتصور، فإنَّ الإسلام صهرها في أُمَّة واحدة وأخرجها لتكون {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] بما لم يشهد له التاريخ مثيلًا، فدلَّ ذلك على خصيصة العالمية، وأنها إحدى خصائص تميُّز الأمَّة الإسلاميَّة.

د- ومن بين تلك الوفود بخاصّة نصارى العرب ممن كان منهم في جنوب الجزيرة أو شمالها، فقد كان لهم مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مواقف فيها الكثير من العبر، والدلائل على عالميَّة الإسلام والاعتراف بنبوة -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنَّه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنَّه هو الذي بشرت به كتبهم، وإذا كانت قصة عدي بن حاتم تشتمل على شيء من ذلك فإنَّ هناك شواهد أخرى من أبرزها:

١ - ما حدث من وفد نجران من مجادلة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ومناظرته حول المسيح -عليه السلام-، وقد ذكر بعض المفسرين أن صدرًا من سورة آل عمران نزل بهذا الشأن (٢)، وجاءت فيه آية المباهلة، ولكنَّهم أحجموا عنها، واختاروا


(١) انظر: ابن قيم الجوزيَّة: زاد المعاد ٣/ ٥٩٥ - ٦٨٧، (مرجع سابق).
(٢) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ١/ ٣٤٣، (مرجع سابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>