وبين طبيعة الإسلام وخطوات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في تبليغه، إذ ينطلق -هذا المستشرق- في تفسيره للإسلام من بيئته هو وكأنه يتحدث عن رئيس حزب أو جمعيَّة أو نحو ذلك، وليس عن نبي مرسل يحكمه الوحي في كل خطوة يخطوها، ويجلّي ذلك ما في الكتاب والسنة في حجة الوداع، فقد نزل فيها قول اللَّه تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣]، وخطب فيها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قائلًا:"يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلَّا بالتقوى، أبلغتُ؟ قالوا: بلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . إلى أن قال: ليبلغ الشاهد الغائب"(١).
إنَّ من ينظر في هذا يجد أنَّ دعوة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد سارت (حسب الطريق الذي رسمه له رب العزّة والجلال، في تبليغ دعوته، حيث إنَّه بدأ بدعوة أقرب الناس إليه، ثُمَّ أخذ يتدرج، فبعد أن دعا قريشًا قام بدعوة من جاورها، وذلك عندما ذهب إلى الطائف لدعوة أهلها، بعد أن أبت قريش الاستجابة له ومناصرته، وبعد عودته من الطائف أخذ (يعرض دعوته) على جميع القبائل التي تحضر الحج، وتجتمع في أسواق مكة، ثمَّ نقل دعوته إلى المدينة بعد أن هيأ اللَّه الأسباب لذلك، وفي المدينة سارت الدعوة في طريقها (إلى العالم أجمع) وراح الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يزيل العقبات التي تعترض
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥/ ٤١١، الحديث رقم: (٢٢٩٧٨)، ٦/ ٥٧٠، بترتيب دار إحياء التراث العربي، (مرجع سابق)، وأخرجه البيهقي في سننه ٤/ ٢٨٩، رقم الحديث [٥١٣٧]، الطبعة الأولى ١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م، عن دار الكتب العلمية - لبنان. والحديث لديه عن جابر بن عبد اللَّه بلفظٍ قريب مِمَّا أخرج الامام أحمد بيد أنه قال: (وفي هذا الإسناد من يجهل).