وقبل هذا قال عن عقول المسلمين:(كل من ذهب معنا إلى المشرق أو إلى إفريقية رأى أنَّ عقولهم بلغت من الحمق غايته، حتى كأنَّ دينهم صار كنانًا على قلوبهم فحجبها عن أن تعي شيئًا من العلوم والأفكار الجديدة، فلا ترى إلَّا القليل من أولادهم من تشاهد فيه النباهة، لكن إذا بلغ العشر أو الاثنتي عشرة سنة وتعلم العقائد صار متعصبًا في الدين، وأخذ يختال حمقًا على غيره ظانًّا أنَّ هذا هو الحق فيعد نفسه سعيدًا بما اختصه مِمَّا هو في الحقيقة سببًا لانحطاطه)(١).
ولهذا المستشرق (رينان) أقوال كثيرة تحامل فيها على الإسلام وعلى الأمَّة الإسلاميَّة، وحاول أن يحجب بأقواله هذه إيجابيتها الخيِّرة التي شهد بها المنصفون من أبناء جنسه، وكتبوا فيها كتابات مشهورة، وقد يصعب الرد التفصيلي على ما ورد في أقواله من أفكار واتهامات التي إن صدقت على بعض البيئات الإسلاميَّة أو على بعض الفئات أو بعض المراحل التاريخيَّة في حياة الأُمَّة الإسلاميَّة فإنَّها لا تصدق على الإسلام بحال من حيث العقيدة والتشريع والأخلاق والنظام، وهي تتنافى مع تميز الأُمَّة الإسلاميَّة وما اختصَّ به من إيجابية خيِّرة أثبتها التاريخ، وسطَّرتها الأقلام المنصفة، وسيرد بعد قليل ما يوضح ذلك، ويُمكن أن يشار هنا بيانًا لموقف (رينان) وأمثاله إلى ما ذكره (غوستاف لبون) في مؤلفه (حضارة العرب) عن غالبيَّة المستشرقين حينما يكتبون عن الإسلام وتاريخ أُمَّته فكان مِمَّا قال: (نجد المقابلة مدهشة بين الإسلام وسائر المعتقدات التي تزعم مع هذا أنها أسمى منه. .، ورُبَّما تساءل القارئ: لماذا غمط اليوم حق
(١) نقلًا عن عفاف صبرة: المرجع السابق نفسه: ص ١٥٧، وانظر: عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني: افتراءات المستشرقين على الإسلام (عرض. . . ونقد): ص ٣٩ - ٤٣ وص ٩٥ - ٩٨، الطبعة الأولى، ١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م، مكتبة وهبة - مصر.