العرب وتأثيرهم، وأنكر حسناتهم علماء عرفوا باستقلال أفكارهم، وكانوا بحسب الظاهر بمعزل عن الأوهام الدينيَّة، وهذا السؤال قد سألته نفسي، وأرى أن الجواب عليه غير ما أنا كاتب ذلك أن استقلال آرائنا هو في الواقع صوري أكثر مِمَّا هو حقيقي؛ ونحن لسنا أحرارًا على ما نريد في خوض بعض الموضوعات، وهذا لأن فينا أحد رجلين: الرجل الحديث الذي صاغته دروس التهذيب، وعملت البيئة الأدبية والمعنويَّة في تنشئته، والرجل القديم المجبول على الزمن بخميرة الأجداد، وبروح لا يعرف قراره يتألف من ماضٍ طويل؛ وهذا الروح اللاشعوري هو وحده الذي ينطق في معظم الرجال، ويبدو في أنفسهم بمظاهر مختلفة، يؤيد فيهم المعتقدات التي اعتقدوها، ويملي عليهم آراءهم، وتظهر هذه الآراء بالغة حدًّا عظيمًا من الحريَّة في الظاهر فتحترم) (١).
ويواصل قوله: (لا جرم أن أشياع محمد كانوا خلال قرون طويلة من أخوف الأعداء الذين عرفتهم أوروبا، فكانوا بتهديدهم الغرب بسلاحهم في عهد شارل مارتيل، وفي الحروب الصليبية، وبعد استيلائهم على الآستانة، يذلوننا بمدنيتهم الساميَّة الساحقة، وإلى أمس الدابر لم ننج من تأثيراتهم، ولقد تراكمت الأوهام الموروثة المتسلطة علينا، والنقمة على الإسلام وأشياعه في عدة قرون، حتى أصبحت جزءًا من نظامنا، وكانت هذه الأوهام طبيعة متأصلة فيها، كالبغض الدوي المستتر أبدًا في أعماق قلوب النصارى لليهود، وإذا أضفنا إلى أوهامنا الموروثة في إنكار فضل المسلمين هذا الوهم الموروث أيضًا النامي في كل جيل، بفعل تربيتنا المدرسية الممقوتة، ودعوانا أن جميع العلوم والآداب الماضية أتتنا من
(١) حضارة العرب: D.Le Bon: La Divilisation dee Arabes نقلًا عن: محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربيَّة: ١/ ٨،، (مرجع سابق).