للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلمت العبادات في الإسلام -لما فيها من الموازنة بين مطالب الدنيا والآخرة، والروح والجسد- مِمَّا آلت إليه العبادات لدى الأمم الأخرى من الغلو في أمور الدنيا لدى اليهود، وبلغ الأمر بالنصارى أن فرضوا على أنفسهم الرهبانيَّة، وتركوا أمور الدنيا، وبالغوا في ذلك إلى أن أفسدوا دينهم. . .؛ فأمَّا اليهود فقد جنحوا إلى الماديَّة، (ولا نكاد نجد (في اليهودية) للروحانية أثرًا، ولا نكاد نرى للآخرة مكانًا، حتى الوعد والوعيد في التوراة للمطيعين والعصاة، إنَّما يتعلقان بأمور دنيويَّة، وتكاد تستأثر بها النزعة الماديَّة الخالصة، فالخِصب والصحة والثراء وطور العمر، والنصر على الأعداء ونحوها من المكاسب الدنيويَّة الحسيَّة العاجلة، هي المثوبات التي تبشر بها التوراة، وأضداد هذه الأمور من الجدب والمرض والموت والوباء والفقر والهزيمة ونحوها للذين يعرضون عن الشريعة) (١).

وأمَّا الرهبانيَّة فعلى الرغم من كونها بدأت بصفتها ردَّا على تلك النزعة الماديَّة التي اتسمت بها اليهوديَّة بعد تحريفها، وانتهجتها الرومانيَّة في حكمها وتشريعها وحضارتها، فإنَّها (تطورت فيما بعد مع الزمن، وأصبحت خاضعة إلى أنظمة متبعة وأسس معتمدة يخضع لها الراغب فيها،


= ١١٥ - ١٢٦، ٣٩٦ - ٤٣٧، تحقيق: أحمد حجازي السَّقَّا، عن دار التراث العربي، القاهرة، ١٩٨٠ م، وانظر: عبد العال سالم مكرم: أثر العقيدة في بناء الفرد والمجتمع: ص ٥٩ - ٦٧، (مرجع سابق).
(١) يوسف القرضاوي: العبادة في الإسلام: ص ١٧٥، (مرجع سابق). وانظر: المرجع نفسه: ص ١٧٦ - ٢٠٠، وانظر: أبا الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: ص ١٥٦ - ١٩٥، (مرجع سابق). تحدث في الفصل الأول من الباب الرابع عن (أوروبا الماديَّة، وكيف نشأت الرهبانية ردًا عليها ثُمَّ كيف أخفقت في مواجهة تلك الماديَّة وما ترتب على الرهبانيَّة من مفاسد في جميع مجالات الحضارة الغربية).

<<  <  ج: ص:  >  >>