للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لعب هؤلاء المستشرقون دور (العميل) لحكوماتهم، وحاولوا (وصف) الشرق (وبيان ما فيه) لتلك الحكومات بطريقة تشبع (رغباتها وتتفق مع أغراضها) وكان لابُدَّ لهذا التحول في الموقف من أن ينعكس على شخصية المستشرق ذاته، وبنظرته إلى نفسه، فلم يعد المستشرق في الأغلب يعتبر نفسه عالمًا ينتمي إلى طائفة أو فئة من العلماء لهم قيمهم وطقوسهم العلميَّة وتقاليدهم وأخلاقياتهم ومبادئهم التي تتحكم في عملهم، وتوجه هذا العمل، كما ترسم لهم سلوكهم داخل نطاق هذه الطائفة، وإنَّما أصبح يعتبر نفسه ممثلًا لثقافته الغربية ضد ثقافة الشرق) (١).

وهذه الصبغة الاستعمارية التي اصطبغت بها الدراسات الاستشراقية تعدُّ من وجهة نظر كثير من الباحثين: (عمليَّة تسليم الشرق للغرب) (٢) أو كما وصفها (إدوارد سعيد) بأنَّها (المعرفة الاستعمارية) (٣).

لذلك فإنَّ هذه الدراسات قد أظهرت (الشرق عامَّة والعالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص في صورة العالم (العاجز فطريًّا) عن التقدم المادي والثقافي، وأنَّ خيره يكمن في إلغاء وجوده الحضاري المستقل، وهويته الثقافية المميزة له؛ والارتباط بالغرب: لغة وثقافة باعتباره (عالم التفوق والسيادة)، وكان هذا الشعور الأوروبي بالتفوق يزداد رسوخًا كلما تقدم الزمن بأوروبا في العصور الحديثة. وكان على الاستشراق الضالع مع الاستعمار، والقائم على خدمة أهدافه ومقاصده وغاياته أن يُهَيِّئ الأسباب النفسية والثقافية التي من شأنها أن تولد عند


(١) أحمد أبو زيد: المرجع السابق نفسه: ص ٥٥٧.
(٢) المرجع السابق نفسه: ص ٥٥٨.
(٣) الاستشراق: ص ٦، ٤٢، ٤٦، ٤٧، ٤٩، (مرجع سابق)، وانظر: أحمد أبو زيد: المرجع السابق نفسه: ص ٥٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>