للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنَّه رُبَّمَا غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه؛ أو كما قال له.

حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستمع منه؛ قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد فاستمع مني"، قال: أفعل؛ فقال:

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٤) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ. . .} [فصلت: ١ - ٥]، ثمَّ مضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها يقرؤها عليه، فلمَّا سمعها منه عتبة: أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليها يسمع منه، ثُمَّ انتهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السجدة منها (١)، فسجد ثُمَّ قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فانت وذاك" (٢).

والشاهد من هذا الموقف أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ارتفع فوق مساومات قريش ملتزمًا بما جاءه من الحق الذي كان مصدر اعتزازه أنَّه مبينًا لا يملك لنفسه ولا لقريش أو غيرهم نفعًا ولا ضرًّا، وإنَّما يتبع ما يوحى إليه، ويمضي فيما أمره ربه حتى تعلو كلمة الحق، وفي موقف آخر قال -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمه أبي طالب حين أتعبته قريش وهي تنهاه عن مناصرة ابن أخيه، فجاء إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يطلب منه الإبقاء عليه وعلى نفسه وألَّا يحمله ما لا يطيق (٣) (كما جاء في الخبر)، فقال له الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عمِّ، واللَّه لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه، أو أهلك فيه ما تركته" (٤).


(١) سورة فصلت الآية ٣٨.
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية ١/ ٣٢٢، ٣٢٣، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، (مرجع سابق)، انظر: سيرة ابن إسحاق، تحقيق: محمد حميد اللَّه ص ١٨٧، ١٨٨، (مرجع سابق).
(٣) انظر: سيرة ابن إسحاق: ص ١٣٥، بتحقيق: محمد حميد اللَّه، (مرجع سابق).
(٤) ابن هشام: السيرة النبوية ١/ ٢٩٩، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: سيرة ابن إسحاق: ص ١٣٥، (المرجع السابق نفسه).

<<  <  ج: ص:  >  >>