بهذا رسم المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- منهج الالتزام بالإسلام والاعتزاز به، وكان موقفه ذلك أحسن أسوة لأمته إلى أن يأتي أمر اللَّه، قد سار الصحابة الكرام على هذا، ففي موقف آخر لجعفر بن أبي طالب (١) بين يدي النجاشي، ما يؤكد هذا التوجه الحاسم الواضح الذي ينبثق من الاعتزاز بالإسلام الذي هو دين اللَّه الحق، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد.
وخلاصة هذا الموقف؛ أن جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين في الحبشة في جوار النجاشي، تعرضوا لكيد قريش؛ إذ أرسلت اثنين من دهاتها لاسترجاعهم ورسموا لذلك خطّة ماكرة على أن يسلمهم النجاشي من عنده من المهاجرين دون أن يكلمهم لئلا يتأثر بما عندهم من الحق، ولكن النجاشي أبي إلَّا أن يسمع جواب المهاجرين عنده على دعوى قريش فأرسل إليهم (فلمَّا جاءهم رسوله اجتمعوا، ثُمَّ قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قال: نقول واللَّه ما علمنا، وما أمرنا به نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- كائنًا في ذلك ما كان، فلمَّا جاؤوا، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله سألهم؛ فقال لهم: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟. . فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث اللَّه
(١) انظر: محمود شيت خطاب: جعفر بن أبي طالب، مقال مدرج في مجلة البحوث الإسلاميَّة الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلميَّة والإفتاء. . .، الرياض، العدد [٢٧] (مرجع سابق)، في الصفحات ١٩١ - ٢٢١، لمزيد من الاطلاع على ترجمته ومواقفه وسبقه للإسلام، وما سجل له التاريخ من فضائل.