للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِحَّةُ أَوْصَيْت لِأَوْلَادِ ابْنِي بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَوْ كَانَ حَيًّا نَظِير مَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ قَالَ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ ابْنِي الْمَيِّتِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِالْبُطْلَانِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنه وَبَيْن ابْنِي الْمَيِّتِ قَوْلُهُ فَيَتَخَرَّجُ أَيْضًا عَلَى هَذَا قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ مَنْعَ التَّخْرِيجِ فِي هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ قَوْلُهُ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا بِشَوَاهِدِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي.

وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُوَافِقُ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُخْتَلٌّ جِدًّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا بِتَجَوُّزٍ بَعِيدٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ عَلَى الْقَصْدَ إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ احْتِمَالًا قَرِيبًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَيْرِ كَلَامِهِمْ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا تَصْرِيحُهُمْ بِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ هَذَا الْمُجِيبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ إلَخْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُ يَكْفِي ادِّعَاءُ كَوْنِ التَّجَوُّزِ سَائِغًا فَحَسْبُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ قَرِيبًا فَهْمُهُ مِنْ اللَّفْظِ وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْته مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ أَلَا تَرَى فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ بَلْ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ إذَا تَلَفَّظَ بِذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ انْتَقَلَ مِنْ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَدْلُولِهِ إلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَدْلُولٍ آخَرَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْوَصَايَا وَنَحْوِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَمُؤَدَّيَاتهَا وَأَمَّا حَيْثُ أَتَى بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي شَيْءٍ وَقَصَدَ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا الْمَوْضُوعَةِ هِيَ لَهَا مَا أَمْكَنَ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْن التَّلَفُّظِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَقَصَدَهُ مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ وَضْعًا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا عَلَى خِلَافِهِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُؤَيِّدُ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَلَا تَرَى مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ ذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِي اعْتِبَارِهِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤَيِّدٍ بِمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْقَصْدِ الَّتِي هِيَ مَحِلُّ النِّزَاعِ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا مُؤَيِّدًا وَقَوْلُهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ هُوَ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ هَذَا عَجِيبٌ مِنْك لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ فَكَيْفَ يُخَصُّ بِمَالِكٍ وَيُقَالُ إنَّهُ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ وَأَيْضًا فَمَحَلُّ كَلَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَرَى أَنَّ لَفْظَهُ مَوْضُوعٌ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مُطْلَقًا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ مَعَ اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ فَمَحَلُّ اخْتِلَافِهِمَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِنْ الْمُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُدَّعَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ الْمُصَرِّحُ فِيهِ الْمُوصِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَاهُ هُوَ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ مَا هَذَا مِنْ هَذَا الْمُجِيبِ إلَّا تَسَاهُلٌ غَيْرُ مَرْضِيّ وَقَوْلُهُ عَقِبَهُ لَكِنَّهُ إلَخْ لَا يَنْفَعُهُ فِي رَدِّ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُ إنَّ مَا ذَكَرَاهُ هُوَ عَيْنُ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا لَا يَعْتَبِرَانِهِ إلَّا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَهُوَ يَعْتَبِرُهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ فَأَيُّ اتِّحَادٍ بَيْن الْمَقَالَتَيْنِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ إحْدَاهُمَا عَيْنُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ إلَخْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تُلَائِمُ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ وَأَيُّ لَفْظٍ آخَرَ يَبْقَى حَتَّى يُقَالَ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَإِنْ جَعَلْت مَا لِلْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا لَهُ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَوَّلًا التَّصْرِيحَ بِهِ كَيْفَ يُفْرَضُ ثَانِيًا أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ.

فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ ثُمَّ ادِّعَاؤُهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ قَصْدِهِ سَبَبُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَا لَوْ ظَهَرَ فِي عَقْدٍ أَبْطَلَهُ يُكْرَهُ قَصْدُهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْعَقْدِ كَالنِّكَاحِ بِقَصْدِ أَنْ يُطْلِقَ وَالْبَيْعِ بِقَصْدِ الْحِيلَةِ وَمِمَّا يُبْطِلُ بَحْثَهُ السَّابِقَ وَقَاعِدَتَهُ هَذِهِ قَوْلُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ كُلُّ لَفْظٍ إذَا وُصِلَ بِهِ لَفْظٌ آخَرُ وَقُبِلَ فِي الظَّاهِرِ إذَا نَوَاهُ لَا يُقْبَلُ فِي الظَّاهِرِ وَمِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يُفِيدُهُ ظَاهِرًا مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ أَوْ مُتَلَفِّظًا بِهِ قَبْلُ وَأَجْرَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي كُلِّ مَا أَحْوَجَ إلَى تَقْيِيدِهِ الْمَلْفُوظ بِهِ بِقَيْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>