الْمَالِكِ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهِ إيَّاهُ فَيَلْزَمهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ بَدَلَهُ إلَيْهِ ثُمَّ الْمَالِكُ مُخَيَّرٌ بَيْن الدَّفْعِ لَهُ وَالدَّفْعِ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ أَخَذَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ بَعْضِ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِمْ تِلْكَ الزَّكَاةَ ثُمَّ بَعْدَ الدَّفْعِ أَعْطَاهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا ثُمَّ إنَّهُمْ رَدُّوا بَاقِيَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ عِيَالِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا لِكَوْنِ الَّذِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ مُحْتَاجِينَ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ» وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَأْخُذْ بَعْضَ أَوْلَادِهِ أَوْ صَدِيقِهِ إلَّا لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ الزَّكَاةَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا لِبَعْضِ عِيَالِهِ مِلْكًا وَإِلَّا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ فَهَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ صَحِيحَةٌ أَوْ لَا اهـ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَهَبُ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَيَسْتَوْهِبُ مَالَهَا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَحُكِيَ ذَلِكَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ ذَلِكَ مِنْ فِقْهِهِ وَصَدَقَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِقْهُ الدُّنْيَا وَلَكِنْ مُضِرٌّ بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ جِنَايَةٍ وَمِثْلُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ الضَّارُّ اهـ.
فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ عِنْدَنَا غَنِيٌّ عَنْ الزَّكَاةِ فَوَهَبَ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا فَهَلْ يَكُونُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْفَرْقُ اهـ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ بِلَادِنَا يَشْتَرِطُونَ عَلَى الْفَقِيهِ أَنَّا مَا نُعْطِيك الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ تَصِيفَ مَعَنَا أَوْ يُعْطِيهِمْ دَرَاهِمَ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ دَرَاهِمَ لَمْ يُعْطُوهُ الزَّكَاةَ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ زَجْرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَبَسْطُ الْجَوَابِ وَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ أَخْبِرُونَا كَمْ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِكْيَالِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّا نُرِيد كَلَامًا فِي ذَلِكَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْبَيَانَ مِنْكُمْ.
(فَأَجَابَ) إنَّ مَنْ يُعْطِي زَكَاتَهُ لِمَنْ يَرُدُّ بَعْضَهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ عِيَالِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ ذَلِكَ حَالَةَ الْإِعْطَاءِ فَالْإِعْطَاءُ بَاطِلٌ وَالزَّكَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا عَنْ شَيْءٍ بَلْ إنْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّهَا أَدَاءً صَحِيحًا عُوقِبَ عَلَيْهَا الْعِقَابَ الشَّدِيدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الشَّهِيرَةُ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: ٣٥] الْآيَةَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: ٧٥] {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: ٧٦] {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٧] {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: ٧٨] وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا زَكَاتَهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ» وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّدُّ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْآخِذِينَ كَانَ قَبُولُ الْمَالِكِ لَهُ مَكْرُوهًا كَرَاهَةً شَدِيدَةً.
لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ صَدَقَتَهُ مِمَّنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَقَدْ شَبَّهَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ ثُمَّ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ أَنَّ مَنْ احْتَالَ عَلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ وَمَتَى اطَّلَعْنَا عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَاقَبْنَاهُ عَلَيْهِ وَعَزَّرْنَاهُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ وَأَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا بِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ مَكْرُوهَةٌ لَكِنْ خَالَفَ الشَّافِعِيُّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ كَالدَّارِمِيِّ وَصَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَالْمَسْعُودِيِّ فَشَذُّوا وَقَالُوا إنَّهَا حَرَامٌ كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَتَبِعَ هَؤُلَاءِ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ فَقَالَ إنَّهَا حَرَامٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ يَكُونُ آثِمًا بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ وَأَبْدَاهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَقَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّهُ مُسِيءٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا بَاطِنًا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute