يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْعِلْمُ قِسْمَانِ ضَارٌّ وَنَافِعٌ وَهَذَا مِنْ الْفِقْهِ الضَّارِّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ وَمِنْ الْحُكْمِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ كَمَا إذَا بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَسْقُطُ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالزَّكَاةِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِقَصْدِ حِرْمَانِ الْبَاقِينَ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَمَا فِي الْإِحْيَاءِ هُوَ الْمُتَّجِهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ مُسِيءٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى عَقْلٍ وَمُرُوءَةٍ وَدِينٍ أَنْ يَرْتَكِبَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُبَّمَا قَصَدَ الْغَافِلُ الْمَغْرُورُ بِهَا تَوْفِيرَ مَالِهِ وَتَنْمِيَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَحْقِهِ وَزَوَالِهِ عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَدَمِ الْبَرَكَةِ فِيهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلَا ذُرِّيَّتُهُ وَرُبَّمَا عُومِلَ فِيهِ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ بِمَا يُسِيئُهُ وَيُغِيظُهُ فَيُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ أَعْوَانَهُ حَتَّى يُنْفِقُونَهُ فِي الْمَحَارِمِ وَاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْقَبِيحَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ جَرَّبَ أَحْوَالَ النَّاسِ سِيَّمَا أَبْنَاءُ التُّجَّارِ وَنَحْوُهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ الَّذِينَ لَمْ يُؤَدُّوا مِنْهَا حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمْ يَجْرُوا فِيهَا عَلَى سَنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَيَأْتِي جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْغَنِيِّ إذَا احْتَالَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا حَتَّى يَحِلَّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ تَبْقَى ذِمَّتُهُ مُعَلَّقَةً بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ بِلَادِكُمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِمْ عَلَى الْفَقِيهِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَهُ الزَّكَاةَ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لَهَا إلَّا إلَّا أَضَافَ مَعَهُمْ أَوْ أَعْطَاهُمْ دَارَهُمْ فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا لِهَؤُلَاءِ الْفَاعِلِينَ لِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ خَلَاقٌ وَلَا مُرُوءَةٌ وَلَا دِينٌ وَكَيْفَ يَلِيقُ هَذَا مِمَّنْ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَلَوْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَنْفَعُهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهَا إنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُنَاسِبُهُ مِنْ تَجَرُّئِهِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى دِينِهِ عَافَانَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهَا مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفْعَالِهِمْ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَوَادِ قُلُوبِهِمْ وَفَسَادِ أَعْمَالِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَحْرِيرًا جَيِّدًا لِلصَّاعِ بِالْعَدَسِ فَكُلُّ شَيْءٍ وَسِعَ مِنْ الْعَدَسِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ فَهُوَ صَاعٌ لِأَنَّ الْمَنْصُورَ عَايَرَ الصَّاعَ النَّبَوِيَّ بِالْعَدَسِ فَجَاءَ كَذَلِكَ وَتَفَاوُتُ أَنْوَاعِ الْعَدَسِ يَسِيرٌ لَا يُحْتَفَلُ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ صَاعٍ وَسِعَ مِنْ الْعَدَسِ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْإِخْرَاجُ بِهِ فِي الْفِطْرَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا مُبَالَاةَ بِتَفَاوُتِ الْحُبُوبِ فِي الْمِيزَانِ اهـ.
وَالرِّطْلُ الَّذِي وَزْنُهُ الْمُرَادُ بِهِ الْبَغْدَادِيُّ وَهُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقَالَ السُّبْكِيّ اعْتَبَرْت الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْته فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدْ حَانَ بِالصَّاعِ الْمِصْرِيِّ إلَّا سُبُعَيْ مُدٍّ اهـ وَالصَّاعُ الْمِصْرِيُّ مُقَارِبٌ لِلْكِيلَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَحَلُّ وَمَا ذَكَرْته لَكُمْ مُلَخَّصٌ شَيْءٌ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ جَمْعٍ أَنَّ الصَّاعَ قَدْ حَانَ بِالْمِصْرِيِّ لَكِنَّ مَا قَالُوهُ هُوَ الْأَحْوَطُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْعَ بِكُمْ آمِينَ كَمْ حَدُّ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَمَا دُونَهَا لَا يَحْرُمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ حَدُّ الْأُولَى بِمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ وَالثَّانِيَة بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْقَصْرِ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ مُنْقَطِعٍ عَنْ دَارِ الْإِقَامَةِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا وَهَذَا الْمَلْحَظُ فِي النَّقْلِ فَاسْتَوَيَا فِيمَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ لَمْ يَفْضُل عَنْ كِفَايَةِ عِيَالِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ هَلْ الْمُرَادُ كِفَايَتُهُمْ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ غَيْره فَمَا هُوَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ كِفَايَة يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَمَتَى فَضَلَ عَنْ كِفَايَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ شَيْءٌ جَازَ التَّصَدُّقُ مِنْهُ وَمَتَى لَمْ يَفْضُلْ عَنْ كِفَايَتِهِ ذَلِكَ شَيْءٌ حَرُمَ التَّصَدُّقُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ أَخْذُهَا إلَّا أَظْهَرَ الْفَاقَةَ أَوْ سَأَلَ فَلَوْ أَظْهَرَهَا لِخَوْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute