وَهَلْ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجَهَا إذَا حَضَرَتْ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ أَوْ كَانَتْ فِي قِطْعَةٍ مِنْ بَيْتٍ وَحْدَهَا وَقَالَ زَوَّجْتُك الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عَلَى ذِكْرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ فِي غَيْبَتِهَا بِهِمَا وَلَا يُخْبَرُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوَّلًا لِيُزَوِّجَهَا فِي غَيْبَتِهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهَا فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ حُضُورُهَا مَجْلِسَهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا نَائِبَهُ لِيُزَوِّجَهَا مُشِيرًا إلَيْهَا وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْتَقِبَةً أَوْ فِي بَيْتٍ وَحْدَهَا كَأَنْ يَقُولَ زَوَّجْتُك هَذِهِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى الْمُنْتَقِبَةِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ بَلْ الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الصِّحَّةَ فِيمَا إذَا قَالَ زَوَّجْتُك هَذِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُنْتَقِبَةِ وَغَيْرِهَا وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الشُّهُودِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِ الْمَنْكُوحَةِ بِنْتًا لِلْوَلِيِّ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَوَجَّهَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ النِّكَاحَ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَصْفُ وَالنِّسْبَةُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ وَطَرِيقُ الْعِلْمِ إمَّا بِالنَّسَبِ وَالِاسْمِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ فَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك هَذِهِ مُنْتَقِبَةً أَوْ وَهِيَ وَرَاءُ سِتْرٍ وَالزَّوْجُ لَا يَعْرِفُهَا بِوَجْهِهَا وَلَا ذَكَرَ اسْمِهَا لَمْ يَصِحْ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَعَلَامَتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهَا مَعَ غَيْرِهَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّمْيِيزُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَهَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ بِالْمُشَاهَدَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ لَوْ جَاءَا لِقَاضٍ فَقَالَا إنَّ فُلَانَة بِنْتَ فُلَانٍ أَذِنَتْ لَك فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ فُلَانٍ بْن فُلَانٍ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُهَا الْخَاطِبُ وَالشُّهُودُ فَزَوَّجَ صَحَّ بَعْدَ ذِكْرِ نَسَبِهَا فَلَوْ جَاءَ فَقِيهٌ لِقَاضٍ فَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لِي فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فِي مَحَلَّتِي وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهَا فَإِنْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا فَأَذِنَ لَهُ جَازَ اهـ وَيُؤَيِّد مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَوْلُ الرَّافِعِيّ فِي الشَّهَادَاتِ وَرَدَّ عَلَى الْقَفَّالِ مِنْ الْقَاضِي لِيُزَوِّجَ فُلَانَةَ مِنْ خَاطِبِهَا أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ الْخَاطِبُ جَارَهُ فَقَالَ لَهُ إنَّمَا أَعْرِفك بِأَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ لَا بِأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يُزَوِّجْهَا مِنْهُ وَوَجْهُ امْتِنَاعِهِ أَنَّ تَعْيِينَ الزَّوْجِ شَرْطٌ فَلَا بُدُّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْعَاقِدِ أَنَّ هَذَا الْخَاطِبَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي أَذِنَ الْقَاضِي فِي تَزْوِيجِهِ وَجَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْن مَا أَطْلَقُوهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَبَيْنَ مَا فَصَّلَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً صَحَّ وَإِلَّا فَلَا بِأَنَّ مَا أَطْلَقُوهُ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ الْأَبَ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ يُعْلَمُ نَسَبُهُ مِنْهَا فَتَصِيرُ مَعْلُومَةَ النَّسَبِ عِنْدَ الزَّوْجِ وَمَا قَيَّدَهُ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ لَا يُعْلَمُ نَسَبُهُ مِنْهَا كَالْقَاضِي.
وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَشْعَارِ كَلَامِ كَثِيرِينَ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الْعِمَادِ تَفْصِيلَ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ عَقَّبَهُ بِإِطْلَاقِ جَمْعِ الصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِكَوْنِ الْمَنْكُوحَةِ بِنْتًا لِلْوَلِيِّ مَثَلًا وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك ابْنَتِي هَذِهِ صَحَّ قَطْعًا قَالَ وَمَنْ أَطْلَقَ الصِّحَّةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَصْفُ وَالنَّسَبُ ثُمَّ جَعَلَ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي أَحْوَطَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ بِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْأَعْمَى مَعَ كَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ الرُّؤْيَةُ قَالَ لَكِنْ لَهُ أَيْ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَلْتَزِمَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْأَعْمَى زَوَّجْتُك هَذِهِ الْحَاضِرَةَ أَوْ الَّتِي فِي الدَّارِ إذَا لَمْ يَنْسُبْهَا وَجَرَى فِي الْخَادِمِ عَلَى الْجَمْع السَّابِقِ عَنْ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ إطْلَاقِهِمْ وَتَفْصِيلِ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ وُجِّهَ إطْلَاقُهُمْ بِمَا مَرَّ عَنْهُ أَيْضًا ثُمَّ جَرَى عَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّ مَقَالَةَ الْمُتَوَلِّي أَحْوَطُ وَأَنَّهَا مَنْقُوضَةٌ بِالْأَعْمَى وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ مَا مَرَّ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ الصَّرِيحَ فِي الصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يُمَيِّزَهَا بِالْإِشَارَةِ مَعَ حُضُورِهَا فَإِنْ ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ اسْمَهَا وَصِفَتَهَا كَانَ تَأْكِيدًا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى عَيْنِ الْمَعْقُود تُغْنِي عَنْ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَابْنُ الْعِمَادِ وَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ نَحْوِ الِاسْمِ فِي الْمُجْبَرِ فَفِي غَيْرِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَتِهَا وَرَفْعِ نَسَبِهَا إلَى أَنْ يَنْتَفِيَ الِاشْتِرَاكُ فَإِنْ ذُكِرَ اسْمَ أَبِيهَا وَحْدَهُ وَلَا مُشَارِكَ لَهُ فِي الْبَلَدِ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ زَادَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِلْمَرْأَةِ وَلَا أَنَّهَا بِنْتُ الْمُزَوِّجِ مَثَلًا لَكِنْ لَا يَشْهَدُونَ بِأَنَّهَا بِنْتُهُ بَلْ بِصُورَةِ الْعَقْدِ كَمَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute