للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

امْرَأَةٍ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَمْ تُعَيِّنْ أَحَدًا فَزَوَّجَهَا مِنْ طِفْلٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَهِيَ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا مِنْ بَالِغٍ لِشِدَّةِ تَوَقَانِهَا إلَى الْوَطْءِ مَا الْحُكْمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ الْمَرْأَةَ مِنْ الطِّفْلِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ وَلَا نَظَرَ لِشِدَّةِ تَوَقَانهَا إلَى الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا مُطَالَبَةَ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ بِنَحْوِ الْعُنَّةِ أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ بِالْحَلِفِ فِي الْإِيلَاءِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا جَوَابَانِ صُورَتُهَا امْرَأَةُ لَا وَلِيَّ لَهَا وَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا فَهَلْ يَصِحُّ نِكَاحُهَا أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ الْأَوَّلُ) فَقَالَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا إذَا وَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا لِأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ فِي الرُّفْقَةِ امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا فَوَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا جَازَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ابْنُ مَأْمُونٍ وَكَانَ مَشْهُورًا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي جِوَارِ قَوْمٍ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ وَلَا لَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ فَوَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا مِنْ صَالِحِي جِيرَانِهَا فَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ قَالَ الْمُزَنِيّ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَحْفَظُ عَنْك فِي كُتُبِك أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْأَمْرَ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا حَاضِرٌ وَلَا لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ وَحُكْمُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا حَاكِمَ فِيهَا وَلَا يَمْتَدُّ إلَيْهَا أَمْرُ الْحُكَّامِ مِنْ الرُّفْقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ فِي جَوَازِ تَوَلِّي أَمْرِهَا إلَى عَدْلٍ.

وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي أَدَبِ الْقُضَاةِ أَنَّا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَخَطَبَ امْرَأَةً وَحَكَّمَا فِي التَّزْوِيجِ رَجُلًا كَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّج قَالَ الرُّويَانِيّ فِي الْحِلْيَةِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ وَالتَّزْوِيجُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيِّ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا خَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلِيَ حَاضِرٌ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مُعْتِقٌ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الدَّعَاوَى فِي شَرْح الْمِنْهَاجِ لَهُ قَالَ فِي النِّكَاحِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُخْتَارُ دَلِيلًا الْمُوَافِقُ لِلنَّصَّيْنِ جَوَازُ تَفْوِيضِ أَمْرِهَا إلَى عَدْلٍ عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْبَلَدِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ إذَا دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.

وَيَكُونُ مَوْضِعُ الْمَنْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ نُصُوصِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ

(وَأَجَابَ الثَّانِي) فَقَالَ هَذَا الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُتَّجَهٍ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَبَّادِيَّ قَالَ فِي الطَّبَقَاتِ إنَّ هَذَا النَّصَّ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَقَالَ إنَّهُ تَحْكِيمٌ وَالْمُحَكِّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ وَقَدْ صَحَّحَ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ إنْكَارَ رِوَايَةِ يُونُسَ وَأَنَّهَا لَا تَتَزَوَّج عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ اهـ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي ثُمَّ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَمَرَادُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْمُهَذَّب وَنَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَفَرُّدُ يُونُسَ بِهَذَا النَّقْلِ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ النَّصّ الَّذِي رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى مُتَوَقِّفٌ فِي ثُبُوتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَوَّلِ مَعَالِمِ السُّنَنِ وَلِذَلِكَ تَجِدُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ أَنَّمَا يُعَوِّلُونَ فِي مَذْهَبِهِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالْمُزَنِيّ.

فَإِذَا جَاءَتْ رِوَايَةُ حَرْمَلَةَ وَالْجِيزِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهَا وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا فِي أَقَاوِيلِهِ قَالَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَثْبُت بِاخْتِيَارِ النَّوَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيمَا رَجَحَ دَلِيلُهُ عِنْده لَا مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ وَنَحْنُ شَافِعِيَّةٌ لَا نَوَوِيَّةٌ اهـ مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فَعَلَى هَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ مِنْ جَوَازِ تَوْلِيَتِهَا عَدْلًا لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>